بعد أن تعلق بك القلب ، وطارت الروح في عنان  السماء تبحث عن روحكِ التي هي الجزء الآخر منها ، والكيان القائم لها ،  والدولة النافذة الأحكام وصاحبة السلطة والتشريع وسن القوانين ، فهي مكملة  لها ، وكيان قد اندمجت في تكويناته ، وتحت سلطته ، وتاقت النفس وتطلعت إلى  رتبة تتوج بها ذلك الحب وتزينه بدرره ولآلئه . 
لقد كنتِ صورة من أبهى وأجمل الصور التي رسمتها  لكِ في ذاكرتي ، وأثبتها العقل في المخيلة ، ثم أقام لها نُصباً في غياهب  الخيال ، أزورها في كل إغفاءة أحظى بها تكرماً من النوم المهاجر عني منذو  أحببتكِ ، فقد هجرني ولم يعد يأتيني إلا تكلفاً في إغفاءة يسيرة يهدي إلي  فيها زيارة سريعة إلى تمثالكِ المنصوب في عالمي الفكري والخيالي . ولكنه  سرعان ما يغادرني ويحرمني لذة تأملكِ خيالاً ملائكياً بهية الطلعة ، جميلة  الصورة ، كأنما اقطعت لكِ عندما صورتها جزءاً من جمال يوسف - عليه السلام -  فأهيم بكِ من خلال الإبداع التصويري الباطن، فلم ارَ مثلك في الحقيقة  ناهيكِ عن الخيال . 
في الفضاء ، بين الغيوم وفوق  أعناق السحاب ، تطير روحي ، وترفرف بجناحيها تهفو إلى روحكِ التي تظن أنها  هناك ،  تعانق السماء من فوق قمم السحاب ، تسير معها أينما سارت ، فتأوي  إليها وتهفو ، وتأرز كما يأرز الطير إلى عشه عند المساء بعد عناء يوم غدا  فيه خميصاً . فتهفو إليها لأن الأجساد خلف الأسوار قابعة ، تفصلها عن بعضها  الفواصل الزمنية ، والحدود الجغرافية ، والمفاوز والقفار ، وبُعد الشُّقة  ورهبة الطرق الطويلة ، فاستودعتْ الروحُ الجسدَ إلى حرارتها كي يبقى دافئاً  حتى تعود من لذة اللقاء الفضائي . فتطفئ شوقاً أضرم النار في الحنايا  لهيباً . 
لماذا الهجر بعدما هامت الروح  في جنبات الكون باحثة عن روحكِ الزكية التي نادتها وهمست لها من خلف الغمام  ، فهرعت إليها مسرعة كأنما نسلت من جدثها ونوديت إلى موقفها على أرض  محشرها . 
هجرتيني بعدما أسقيتيني حبكِ  وجرعتينيه جرعاً جرعاً ، من كأسكِ العذب ونهر حبكِ الصافي ،  بعدما علمتيني  مفردات الحب ، وكلمات الغرام ، وصرفتي قلمي عن الكتابة في المفردات الأخرى  ،  فلا أكتب إلا في الحب ولا أتحدث إلا عن العشق ومشاعر العاشقين ، فجعلت  من حبكِ اتجاهاً أصوغ فيه كلماتي ومذهباً اسبك به قوانيني ودستوري ، وأقيم  عليه شعار الحب وأحكامه . 
جعلتيني أنام  على وحي كلماتكِ وشذى حروفكِ وصدى همسكِ ، وتخيل توهج اسمكِ في غياهب  خيالي كأنه كوكب دري يتوهج في عتمة الليل في عمق السماء . 
لماذا الهجر  بعدما ألف طيري طيركِ ، وهفا قلبي نحوكِ ، وعشقتُ حتى التربة التي تسيرين  عليها ، والأوهام التي أتخيلكِ بها والأحلام التي أراكِ فيها خيالاً من نسج  خيالي.
 ولكن اهجري كما شئتِ بسيظل  قلبي يتبعكِ بين الغيوم ، وفوق السحاب ، وفي أعماق السماء ، وجنبات الكون ،  وردهات الزمن .  












 
 
 
