الاثنين، ديسمبر 06، 2010

تضحية بلا قيود


نحب ونهوى ، ونعشق ونغرم بشخص ما ، تقع عليه نظرتنا الأولى والقلب كورقة بيضاء خالية حتى من السطور التي نسير عليها القلم حتى لا تميل كلماتنا أو تعوج سطورنا . كأنه واحة خضراء أو جنة بربوة يصيبها وابل الغيث والرحمة ، وإن لم يصبها وابل فطل يتخلل إلى جذورها ويسري في عروقها ويسقي روحها ، ويبعث فيها الحياة من جديد بعد ظمأ وصدى .

مفتوح على مصراعيه لأنواع السعادة والسلا ، يرفل في ثوب الحبور والترف ، بل كأنه فراشة متعددة الألوان الزاهية الجميلة ، تتنقل في حديقة القصر المليئة من كل أنواع الزهور والثمار ، فتنتقل من زهرة إلى زهرة ، كأنها جزء منها ، أو غائب عزيز ، غاب عنها حيناً من الدهر ، أو كأنها تاج لها تتزين به في عرصات الحديقة . أو كتلك الفراشة الحرة الطليقة التي تتجول بين أزهار الوادي المنتشرة على ضفاف النهر المنساب في سلاسة ووقار ، يسير إلى أرض أخرى تنتظره ليبل ثراها لترتوي به حتى تفتح باطنها وتنشق عن العشب والخضرة والحياة .

قلب كأنه مملكة واسعة الجنبات ، مترامية الأطراف من الحرية والقوانين الذاتية التي تحكمها ذاتياً ، خالية من ملك يتصرف فيها أو يتدخل في شؤونها ، وليست غابة تحكمها شريعة الغاب .

هكذا يبدو الإنسان في حياته الأولى دون عشق ، أو غرام ، قلبه بين يديه ليس ملك لأحد من العالمين .. فمن الذي يجني عليه ويزج به في غياهب سجون الهوى وقبضة معشوق قد يبالي ، أو قد يضرب عنه صفحاً ؟!

إنها العين .. النظرة الأولى التي تقع على وجه فاتنة ، لأول مرة ، تشع منه آيات الجمال والحسن وتسري منها رائحة الندى ، وعبق الغرام ، كأروع وأجمل عطر عرفته النفس المحبة ، وترمق منه عينان كحيلتان ، زانهما الحور ، وافتتن بهما الكحل ، وخدان أسيلان تتلألأ أشعة الشمس على صفحتهما ، كأنما وقعت أشعتها على سيف مصلت من غمده ، فأسلتا سهامهما إلى ذلك القلب البريء واقتحمت تلك المملكة الخالية ولسان حالها يقول : من سبق إلى مباح فهو أحق به ، فتحكم قبضتها عليه وتعلن رسمياً احتلاله والتربع على عرشه ، فلا يملك إلا السمع والطاعة والانقياد وفتح أبوابه ، وإزاحة الحرس عن أسواره ، فتدخل تلك الفتاة إليه من أوسع أبوابه دون منازع أو مقاومة ، لأن أسلحتها فتاكة ، وقبضتها محكمة ، وجيشها عرمرم لا يقهر ولا يشق له غبار .فتسن القوانين وتخضعه لحكمها .

نحن نحب دون أن يكون لنا شروط سوى ما تمليه قوانين الحب وأحكامه فنخلص في الحب ، ونعد ونفي ، ونعاهد فنكون عند عهودنا ولا نخلفها ، وننتزع قلوبنا من بين جوانحنا ونهديها لمن أحببنا دون مساومة أو تردد ، ونضعها بين يديه دون أن نفكر أو نخشى عليها .. ونعيش مع الحب والمحبوب في حياة جديدة خاصة لا نرى في الوجود سواه ولا ننظر إلى سواه . 

إنها تضحية ، وتسليم للجوارح والقلب والشعور والإحاسيس لشخص آخر نأتمنه على كل تلك العوامل لدينا ، والمتغيرات فينا بل نمنحه إياها دون مقابل وبلا قيود ، ثم نركن ونطمئن إليه ..

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More