الأحد، أبريل 10، 2011

عندما تصفع الأنثى الكرامة .


بسم الله الرحمن الرحيم .
أحياناً يريد أحدنا أن يبدأ شيئاً ما أو يعمل عملاً يؤرقه حتى ينجزه ، أو يخطر في باله موضوع أو أمر يريد التحدث عنه بطريقة أو بأخرى ، ولكن عندما يهم بالبدء في ذلك الأمر أما بإنجازه عملاً أو بتدوينه كتابة على الورق ، لا يرى منه سوى المنتصف ، أو يرى أواخره رؤية غير واضحة ، ولا يعرف كيف يبدؤه وتحير الكلمات في ذلك ولكن دون أسباب واضحة له ويظل في صراع داخلي مع أفكاره وإرادته القابعة في أعماقه ولم تستطع أن ترى النور .

كما هو الحال معي فلي فترة ومنذو أن بدأت الأحداث العربية المؤسفة ، التي لا تبعث على الارتياح ، وتاسف لها النفس المسلمة قبل المؤمنة ، وتحز في نفس كل عربي مسلم تخالط دمه العروبة ويمتزج به الإسلام .
وكم حاولت أن أكتب شيئاً عن هذه الأحداث المؤسفة ، وأنا أتابعها بكل حرقة وألم ، لأن عالمنا العربي خاصة يقتتل ، ويتهدم كيانه على يد أبنائه ، وبأيديهم ، فيخرجون من بيوتهم ويتركون أعمالهم ، ومصالحهم من أجل الدعوة لما أسموه بالحرية ، الحرية التي طالما بحثوا عنها منذو عقود وحرموا منها عقوداً ظلوا قابعين ومسيرين بأوامر الطوارئ ، والأحكام العرفية والعسكرية .

قد نقول أنهم مجبرون على ذلك بعد صبر طويل حتى بلغ السيل الزبى ، وطفح الكيل ونفد الصبر فما كان منهم إلا أن هبوا وتمردوا على ولاة أمرهم الذين ساموهم الخسف ، وأذاقوهم الويل والعذاب ، وكمموا أفواههم وحرموهم التعبير وقول كلمة الحق ، وأجبروهم على الخنوع وألهبوا أجسادهم بسياط الذل والهوان ، ولكن العربي ينآ بأصله ويحفظ كرامته ولا يفرط فيها مطلقاً مهما كان الشخص الذي يريد أن يمس تلك السيادة أو يعبث بتلك الكرامة ، ولا بد أن ينتصر لنفسه ولو بعد حين ، ويرفع رأسه ويسير شامخ الرأس عظيم الشأن عزيز النفس . وبالتالي سيبحث عن مخرج  من ذله وهوانه بأي وسيلة كانت حتى لو كان فيها هلاكه ونهايته ، ويرضى بأن يموت كريماً ولا يعيش في رغد العيش ذليلاً .

ومنذو أن بدأت شرارة التغيير من تونس بعدما سن لهم بل للعرب كافة محمد أبو عزيزية ، سنة الخروج وكسر قيود الخوف وتبديد الوجل ، وطلب الكرامة حتى ولو بالموت الزؤام ، فأحرق نفسه بعدما صفعته أنثى وهو يطلب رزقه بالحلال الذي منع منه طوال ردحاً من الزمن ، وكبلت حريته وصودرت كرامته ، فلم يعد للصبر مكان يلوذ به ولو بمقدار سم الخياط ، ففضل أن يموت كريماً ويسن بعده سنة الخروج بعدما كسر قيود الخوف ، وفتح آفاق الحرية .

فكانت ثورة تونس عندما كان التونسيون في حاجة ماسة لها وبعدما طغى عليهم حاكمهم وتجبر حتى كانت تمنع عنهم حتى الصلاة ورفع الآذان في المساجد منذو ثلاثة وعشرين سنة فكان لزاماً عليهم الخروج عندما كانوا في حاجة ملحة إليه وتم لهم ذلك ، ونجحت ثورتهم وتحققت حريتهم لأنهم في حاجة لها وأصبحت ضرورة من ضروريات حياتهم ، فسقط النظام وانكسر القيد وخرج الطائر المأسور من عشه محلقاً في عنان السماء يجوب الكون برحابته ويرفرف بجناحي الفرح ينفض عنهما شظايا القيود وكِسَفَ الهوان . ونجحت ثورتهم وتم لهم ما يريدون .

ثم أتى بعدهم المصريون ، وما أدراك ما المصريين ، صناع التاريخ ، ورواد الحضارة ،وأرباب التمدن ، ومصدر الثقافة ، الضارب تاريخهم في القدم فليس تاريخهم بمئات السنين ، بل  بآلاف السنين وحضارتهم ضاربة في أعماق التاريخ ، ولهذا لم يكن من خوف عليهم عندما ثاروا وخرجوا على حاكمهم الذي حكمهم ثلاثة وثلاثون عاماً ، وهم صابرون منتظرون لعل فرجاً من الله قريب ، ولما لم يعد هناك بصيص ضوء في آخر النفق هبوا ليبحثوا عن ذلك الضوء ولحقوا بآثار السائر السابق .

وبدأوا ثورتهم ونجحت أيما نجاح لأنهم كلهم يريدون ذلك ، جميعهم على قلب رجل واحد دعواهم واحدة وتفكيرهم واحد ، وهو البحث عن الحرية وتحقيق مطالبهم العادلة ، وكسر أسوار السجون والكبت والإرهاق . وتم لهم ما أرادوا وكانت ثورتهم مضرب المثل وفخراً لكل عربي ومسلم لما حفها من الالتزام والشعور بالمسؤولية ، امتزجت بحب الوطن وعزة النفس ، وسمو المطلب وعدالة القضية ، واقتحموا النفق وخرجوا منه سالمين يحملون وطنهم وقضيتهم العادلة فوق أكتافهم وأرواحهم على كفوفهم حتى بلغوا بثورتهم بر الأمان . وهم في ذلك محل أعزاز وتقدير وإعجاب من العالم بأسره ، كيف لا وهم صناع التاريخ ورواد الحضارة ؟! .

ولكن ما نراه الآن يطفو على السطح من مظاهرات جديدة لمطالب أخرى ربما يكون مضر بما قد أحرزوه من نصر واعتزاز ، نتمنى من إخوتنا المصريين أن يحافظوا على ما أحرزوه من نصر ويحفظو نصاعة ثورتهم ولا يسمحوا لأي كائن من كان بالركوب على سنامها ونحرها وتبديد مكتسباتها فتذهب ريحها ورحها . ويكتفوا بما حققوه من مطالب ومكاسب ويدعوا صغائر الأمور فمعظم النار من مستصغر الشرر .

ثم انتقلت الأمنية بل انفجرت براكينها في ليبيا ، يظهر أن العالم العربي وشعوبه قد ضاقت بحكامها ذرعاً ، في كل مكان ، وما تلك الشرارة التي انطلقت من تونس الخضراء إلا سبباً نكأ جرحاً عميقاً لم يتبق عليه إلا أن يلمس لينفجر وتفجر ويثعب بدماء محتقنة منذو عقود ، فسلك إخوتنا في ليبيا الطريق ذاته الذي سلكه التونسيون ، والمصريون ، ولكن يبدو أن النفق لم يكن مهيأ ولا زال عميقاً وقد يصعب الخروج منه هذا إذا كان هناك من مخرج ، ربما لأن الليبيين أحفاد أسد الصحراء ، عمر المختار ، الشيخ الشهيد ، قد استعجلوا في خروجهم ولم يرتبوا أمورهم  ولم ينظموا صفوفهم جيداً فغاصت أقدامهم في وحل القائد الفاسد ، ووقعوا في براثنه النتنة الخبيثة ، فسامهم الخسف ، وقتلهم واستعدى عليهم من غير جلدتهم ، ودمر شعبه ، وأهلك الحرث والنسل ، وهدم ما بناه بيده وبايدي الليبيين في زمن قصير ، واشترى المرتزقة بأموال الشعب ليقتل الشعب ، ويهدمه ويدمره ، ويبدد ثرواته ، ومكتسباته ، متنكراً لأهله وأبناء شعبه ، ناكراً للجميل ، جاحداً افضال شعبه عليه وصبرهم عليه ثلاثين سنة ، حسوماً أذاقهم فيها الويل والثبور ، وعظائم الأمور ، في غطرسة مقيتة وعنجهية مفرطة ممقوتة ، قبح الله ذلك المتغطرس الأفاك السفاك .

ولا زال إخوتنا الليبين يصارعون ويقاومون ويتصدون للآلة القذافية الكاسحة التي لا يرعى من يتمترس خلفها الحرمات ولا الذمم ، ولا يرعوي عن الفساد وأن يعيث في الأرض والعبث بالأرواح وانتهاك الحرمات وانتهاك المحرمات .
كيف نتكلم وماذا نقول فإن ما نراه ونسمعه تذهل منه المرضعة عما أرضعت،  من بشاعة الموقف وغرابته  ووقف العالم في دهشة وحيرة واستغراب لما نهجه ذلك المتغطرس من نهج غوي ، وسلك طريقاً غير سوي ، ولم تأخذه في المسملين رأفة ولا رحمة ولا لومة لائم ،

لعل الليبيين استعجلوا في اتخاذ القرار أو ربما أنهم لم يضعوا الخطط اللازمة المناسبة ولم يضعوا خطة الهجوم ونسوا أن الضربة للأول فإن أجادها كان النصر حليفه ، إذا ما وضعها في مقتل عدوه ، ودمر نسبة عالية من مقومات دفاعه وكشف حيله ودرس خططه المحتملة قبل البدء في الهجوم عليه ، وخانهم التقدير فاستفاد عدوهم لما انكشف أمرهم .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More