الأحد، يونيو 27، 2010

أوراق الزيزفون



وتتمادى الأيام في الرحيل  ، وتبتعد كثيراً ، تذهب في صخب ، وضوضاء عارمة ، وجلبة مقصودة وغير مقصودة ، لا تلوي على شيء حتى تتوارى عنا في ردهات الزمن ، وتتسلل من خلال أغصان العمر وغيوم المستقبل تجتاحنا بدويها وترعبنا بغوغائها . 

غريبة عجيبة هي الأيام ، تعيش معنا كأنها طفل وديع ، وتصاحبنا كأعز الأصحاب وأوفى الأوفياء ..  تلاحقنا  .. تسعدنا .. 
تضحكنا .. تجمعنا .. وتدخل الطمأنينة إلى نفوسنا  ، ثم تنسينا كل ما له علاقة بالمستقبل ، بل تطبعه بطابع الأمل العريض ، حتى أننا ننظر إليه آفاقاً واسعة لا حدود لها ولا خطوط تحددها ، رحبات ولا حواجز تحجبها .. وباحات واسعة ، وجنات وحدائق وارفة  . 

تجمعنا .. تفرحنا بمن نعرفهم ، وتزرع في قلوبنا حبهم  ، وتجمعنا بمن لا نعرفهم  ثم تزرع حبهم في أعماقنا وتطبعه بطابع آخر يختلف عن ذلك الذي وضعته لمعارفنا ، ونحن نسير في ركابها بأمان .. بل نسيان وغمرة فرح ساهون . 
نؤمن في قرارة أنفسنا بأن كل ذلك لن يدوم ، وأنه مجرد شعور عابر تخالطه شوائب الهم والحزن عندما تختلط الذكريات في حياتنا وفي ذاكراتنا ، كما يختلط الدم بالفرث ، واللحم بالعظم ، أمور مختلطة متلاصقة ، تبدو كأنها في صراع أبدي لتنفصل عن بعضها حتى تعيش على انفراد دونما تعكير أو إزعاج قذى .. ولكن هيهات أت تنفصل أو تعيش دون صراع .. ولكننا نتمادى في إظهارالسعادة والفرح الذي ندرك أنه لن يدوم .. بل ندخل في متهاهات ودهاليز إمعاناً في إبداء السرور والسعادة .. 
فنخوض قصص الحب ، والصداقة ، وكل تعاملات الحياة الضرورية ، التي نحاول أن نقنع بها أنفسنا بأنها هي الجانب المضيء في حياتنا ، ونسير على حافة جانبها المظلم بحذر شديد ، ولا نأمن أن تنزلق إليه أقدامنا . . وهناك من تلقي به ريح الحياة منها في مكان سحيق ، فيبقى يسبح ويغوص في خضمها وتتقاذفه أمواجها العاتية ، وقد يكون محظوظاً إذا قذفته تلك الأمواج إلى البر وهو سليم الروح والجسد . 

وتمر بنا الأيام .. فعشنا قصة حب لا تكاد تلم بوصفها الكلمات ، ولا تأتي على معانيها العبارات ، ولا تنفد في وصفها أبحر الكلمات ، فتعمق في نفوسنا وتغلغل إلى أعماقنا ، وثبت في قلوبنا كما ثبتت في راحتينا أصابعنا ، وأمنا الأيام ، ونسينا مكائدها وطلاسمها وسحرها ، حتى ظننا أننا قادرون على الصمود أمامها ، وكبح جماح غيها وصلفها ، ولم نحسب حساباً لما بعد ذلك .. 

ورحلتْ .. وابتعدتْ .. دون إنذار .. ولا أي توضيح أو تفسير .. 
توارت في ضباب الزمن .. وأشجار الأسى . 
وأغصان الحزن .. وجذوع الزيزفون وتدثرت بأوراقها القلبية ، وتضاءلت في لون لحائها الرمادي  . 
وانطوت بين أزهارها الصفراء الباهتة ، فتلونت حياتي ونفسي بتلك الألوان ، رمادية باهتة ، ثم صفراء فاقعة ، ثم عادت وذبلت حتى بهت لونها وزالت عنه نضارته . 
كيف أصف بعدها .. ؟ 
كيف اصف ما أجد في اعماقي من لهيب البين والنوى ؟ 
كيف أعبر عن فقدها .. ؟
كيف أتكلم وأدون والكلمات قد أحجمت عني وذهلت عن قلمي وبُهِتتْ ؟ 
أعطتني كل شيء .. وأخذت مني كل شي . 
أعطتني ثم منعت ، وأعطيتها ولم أمنع .. ولازلت أعطيها حتى وإن توارت وابتعدت وسأظل كذلك . 
لا زال ما أعطيتها رهن إشارتها ، وفي يمينها أو يسارها .. تضعه بحسب ما لي عندها ، فإن كنت لديها من أصحاب اليمين فسأكون في يمينها  وإن حكمت علي بالشمال فساظل يمينها وإن لم أكن في يمينها . 

كتبت هذه الكلمات بعدما استغرقت في تأمل وذكريات مرت بي ، فاجتاح أعماقي لهيبها ، واشتعلت في فؤادي شرارتها ، ولفح مشاعري مارجها ، وأحرق أحاسيسي سمومها . 
آه منها ومن هجرها .. ومن ظلمها وصلفها .. 
ليت شعري أين هي .. وما هي أحوالها وماذا حدث لها . 
أأصابها مكروه فنعذرها .. أو جفتنا بظلم فنزيد في الشوق إليها ؟ 
لا مجال للنسيان .. ولا وجود له في قواميس حبها لدي . بل النسيان يذكرني ، والذكريات تلوعني ، والأسى والحزن يعصف بي .
والأيام تمر علي طوالاً .. وقصاراً .. والفصول متعددة فلم تعد أربعة .. بل قد أصبحت ألواناً . 

ربما أنها تقرأ كلماتي هذه .. وربما لا .. ولكنني أكتب وأنا أستشعرها وهي تقرأ .. وأتخيلها وهي تسير بين السطور بناظريها بتأمل .. بل أجدها معي أتصورها بكل أطيافها .. اسمع همسها وهي تقرأ الكلمات بــ( همس ) .. وتعالجها بـــ (مشاعر ) فاجتمعت كل تلك الأحاسيس همس مشاعر غائبة حاضرة .. 
مهما ابتعدتِ فسيظل قلبي يتبعك . وخيالك يزورني .. وأعماقي مأواكِ ومسكنك . 
تحياتي .. تمت باختصار  شديد . 

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More