تخاطبني الضفاف والنواحي كما تخاطب المقابر الموتى القابعين بين جدرانها ، وكأنني جثة هامدة ملقى على قارعة
الأيام ، وبين ضجيج الذكريات .
تفتح علي طرقات الماضي الجميل ، وتغلق علي أبواب المستقبل بأقفال الوجل والترقب وتغيب عن ذاكرتي لحظات الحاضر .
وتجعل مرارة الماضي حلوة حتى تلك اللحظات التي رأيتها يوماً مرة وعسيرة ، وكرهت دقائقها وساعاتها ، حتى جعلتُ منها
أماني وتمنيات بأن تعود من جديد ، ولكن أنى ذلك وهيهات ، فقد باتت أماني مستحيلة .
تستوقفني لحظات من الحاضر على أعتاب أطلال الماضي السحيق ، لتسحق كل ما تبقى من فتات من كياني المتهالك من
عشرات السنين .
أصغي على الضفاف لصوت خرير الأيام المتدفقة كالنهر ، تتتابع في جريانها بلا عودة ، لتنضب في صحراء الزمن ، وفلوات
الحياة ومفازات العمر ، تنتابني في تلك الجلسة كل المشاعر ، وتتتالى الأحاسيس بمرور شريط الماضي كومضات البرق الخاطف في ليل
عاصف يتخلل الغيوم في أطراف السماء البعيدة المظلمة .
عاصف يتخلل الغيوم في أطراف السماء البعيدة المظلمة .
مشاعر جياشة تتصارع في داخلي وكأن اعماقي ساحة لمعركة حيامية الوطيس ، تقع ضربات سيوفها على أشلائي لتجعل منها
أشلاء أخرى متناثرة ، فتقتل روح الشباب والفتوة في ، فما تنتهي وقعتها إلا وقد أهلكت في كل القوى .
وما يسكت صليلها إلا بعدما يترك ساحتي جثة هامدة . ثم رمت بي في قنطرة بين الماضي والمستقبل ، بعدما محت ملامح الحاضر
لأستيقظ في عالم جديد مختلف وقد كتبت من الذكريات ذكريات .