السبت، أبريل 30، 2011

ركوب الموجة والفوضى الخلاقة




ركوب الموجة والفوضى الخلاقة
الحلقة الثانية 

كنت قد توقفت في الحلقة السابقة عند الأحداث في ليبيا ، حيث أن شرارة الاحتجاجات والفوضى قد وصلت إلى هناك بعدما تانطلقت من تونس الخضراء مروراً بمصر ، وكأنها النار تسري في الهشيم ، ويبدو أن الشرارة ستتوقف هناك أيضاً لبعض الوقت ، وأن ولادة الحرية التي ينشدها الليبيون ستكون متعسرة نوعاً ما وسيطول بها المخاض ، لأن العقل القذافي يبدو أنه لم يستوعب الأمر ولم يعِ الدرس الذي عبر إليه من خلال دولتين مجاورة له ، ودقت صافرة بداية حصته في دولتين أخريين هما اليمن وسوريا ، ولا زال قذافي ليبيا يضحك على عقله أولاً ويهين نفسه ثانياً عندما يصر ويراهن على أن الشعب الليبي لا زال يريده حاكماً له ، ويوهم العالم جدلاً بأن ما يحدث في ليبيا ليس إلا جماعة يسيرة وصفها بالفئران والجرذان ، التتي تبحث عن الجبن وكل أوصاف التحقير والإهانة والاستغفال ، والأوصاف النابية التي لم تخطر على قلب بشر .

وكعادته في الغرابة والاستخفاف بالعقول لا يتورع عن أدنى مهزلة وكذب يسعى إلى أن يصدقه العالم ، وكل يوم يخرج بغريبة جديدة ، كان آخرها التصريحات النارية التي أطلقها مهدداً إيطاليا بأنه سينقل الحرب إلى أراضيها ..! يا سبحان الله أي تبجح وسذاجة وسماجة في نفس هذا الرجل ؟!
ثم يمعن في الاستخفاف بعقول العالم بعامة والليبيين خاصة عندما يقول إنه يريد أن يعقد هدنة أو صلح مع الغرب لوقف إطلاق النار ، في محاولة سامجة ممجوجة ، واستغفال للناس ويريد أن يوهم العالم بأن الحرب الدائرة في ليبيا بينه وبين الغرب وليس انتفاضة شعبية ومطالب شعبه للتخلص منه وطلباً للحرية والعدل والمساواة ، فأي احتقار واستغفال وأي إنسان هذا إن كان إنساناً أصلاً ؟!

حتى وإن فرضنا جدلاً مع أن ذلك مستحيلاً بأن الغرب الذي يزعم وافق على وقف إطلاق النار ، فما هو المقابل يا ترى الذي سيمنحه لهم مقابل إيقافهم لإطلاق النار ؟!
هل سيمنحهم ليبيا وخيراتها وثرواتها مقابل أن يخرج بل يهرب منها ، وقد باع البلاد ، وثبت أقدام الاحتلال في الأرض الليبية والبلاد العربية عامة ؟
أم يعيدوه على كرسيه ثم يحموه من الغضب الشعبي ، مقابل مصادرة ثروات شعبه وتسليمها ليد الغرب بينما هو جالس على كرسيه حاكماً رغم أنوف الليبيين ؟!
أتمنى ألا يحدث ذلك فهذا الرجل لا يتورع عن شيء حقير إلا اقترفه وفعله .

يعتقد القذافي أن القوة وزمجرة الدبابات ودوي المدافع في الأرجاء الليبية ستجلب له الحظ وتبقيه على الكرسي الذي استولى عليه بانقلاب لمدة أربعين سنة تقريباً ، متجاهلاً شعبه وأنهم قد ضاقوا به ذرعاً وأن فرصة بقاءه حاكماً لليبيا قد تضاءلت والفرصة ضاعت خصوصاً بعدما أراقت الدماء ، وزهقت الأرواح ، وتهدمت البيع والصوامع ، وأهلك الحرث والنسل ، ولم يرع في طفل ولا شيخ ولا امرأة ولا شاب إلا ولا ذمة ولم يراع فيهم حرمة يا سبحان الله يا له من متبجح أفاك .

متجاهلاً نداءات شعبه التي تناديه بالرحيل ورغبتهم في التخلص من حزب الباعث المتلوث بشعار ( لا إله إلا الوطن ولا رسول إلا البعث ) ، ولم يعد لهم رغبة في استراره في الحكم ، وقد اكتفوا من الظلم والابتزاز وسرقت أموال الشعب وتبديد ثرواته ومقدراته .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة .

الثلاثاء، أبريل 26، 2011

شمس لا تغيب: ما الحب إلا عذاباً جنته يمناكا



أيا قلب المحب عد إلى طريق لقياكا


.. فقد أصابك هجر وجفاء وقد آذاكا


تحملت من العذاب ما نزفت منه دماكا


.. وسلكتَ إلى الحبيب طرقا لعله يهواكا


وتوسلت إليه جدلاً ألا يهجر أو ينساكا


وقدمت إليه روحك هدية ولكنه جفاكا


وأمعن في تعذيبك جفوة فهل هو يشناكا


أم أنه يبدي إليك تمنعاً وهو يهواكا


فيا قلب المحب صبراً على بلواكاف


ما الحب إلا عذاباً قد جنته يمناكا


ويا حبيباً قد تاقت نفسي إلى لقياكا


متى تقطع الصدود عنا لنرى محياكا


وتعلم أن في الجوانح قلباً قد هواكا


ومن خلق النفس ومثلها سواكا


إني بحبكَ متلف وقد زدتـني هلاكا


مع تحياتي





الأحد، أبريل 10، 2011

عندما تصفع الأنثى الكرامة .


بسم الله الرحمن الرحيم .
أحياناً يريد أحدنا أن يبدأ شيئاً ما أو يعمل عملاً يؤرقه حتى ينجزه ، أو يخطر في باله موضوع أو أمر يريد التحدث عنه بطريقة أو بأخرى ، ولكن عندما يهم بالبدء في ذلك الأمر أما بإنجازه عملاً أو بتدوينه كتابة على الورق ، لا يرى منه سوى المنتصف ، أو يرى أواخره رؤية غير واضحة ، ولا يعرف كيف يبدؤه وتحير الكلمات في ذلك ولكن دون أسباب واضحة له ويظل في صراع داخلي مع أفكاره وإرادته القابعة في أعماقه ولم تستطع أن ترى النور .

كما هو الحال معي فلي فترة ومنذو أن بدأت الأحداث العربية المؤسفة ، التي لا تبعث على الارتياح ، وتاسف لها النفس المسلمة قبل المؤمنة ، وتحز في نفس كل عربي مسلم تخالط دمه العروبة ويمتزج به الإسلام .
وكم حاولت أن أكتب شيئاً عن هذه الأحداث المؤسفة ، وأنا أتابعها بكل حرقة وألم ، لأن عالمنا العربي خاصة يقتتل ، ويتهدم كيانه على يد أبنائه ، وبأيديهم ، فيخرجون من بيوتهم ويتركون أعمالهم ، ومصالحهم من أجل الدعوة لما أسموه بالحرية ، الحرية التي طالما بحثوا عنها منذو عقود وحرموا منها عقوداً ظلوا قابعين ومسيرين بأوامر الطوارئ ، والأحكام العرفية والعسكرية .

قد نقول أنهم مجبرون على ذلك بعد صبر طويل حتى بلغ السيل الزبى ، وطفح الكيل ونفد الصبر فما كان منهم إلا أن هبوا وتمردوا على ولاة أمرهم الذين ساموهم الخسف ، وأذاقوهم الويل والعذاب ، وكمموا أفواههم وحرموهم التعبير وقول كلمة الحق ، وأجبروهم على الخنوع وألهبوا أجسادهم بسياط الذل والهوان ، ولكن العربي ينآ بأصله ويحفظ كرامته ولا يفرط فيها مطلقاً مهما كان الشخص الذي يريد أن يمس تلك السيادة أو يعبث بتلك الكرامة ، ولا بد أن ينتصر لنفسه ولو بعد حين ، ويرفع رأسه ويسير شامخ الرأس عظيم الشأن عزيز النفس . وبالتالي سيبحث عن مخرج  من ذله وهوانه بأي وسيلة كانت حتى لو كان فيها هلاكه ونهايته ، ويرضى بأن يموت كريماً ولا يعيش في رغد العيش ذليلاً .

ومنذو أن بدأت شرارة التغيير من تونس بعدما سن لهم بل للعرب كافة محمد أبو عزيزية ، سنة الخروج وكسر قيود الخوف وتبديد الوجل ، وطلب الكرامة حتى ولو بالموت الزؤام ، فأحرق نفسه بعدما صفعته أنثى وهو يطلب رزقه بالحلال الذي منع منه طوال ردحاً من الزمن ، وكبلت حريته وصودرت كرامته ، فلم يعد للصبر مكان يلوذ به ولو بمقدار سم الخياط ، ففضل أن يموت كريماً ويسن بعده سنة الخروج بعدما كسر قيود الخوف ، وفتح آفاق الحرية .

فكانت ثورة تونس عندما كان التونسيون في حاجة ماسة لها وبعدما طغى عليهم حاكمهم وتجبر حتى كانت تمنع عنهم حتى الصلاة ورفع الآذان في المساجد منذو ثلاثة وعشرين سنة فكان لزاماً عليهم الخروج عندما كانوا في حاجة ملحة إليه وتم لهم ذلك ، ونجحت ثورتهم وتحققت حريتهم لأنهم في حاجة لها وأصبحت ضرورة من ضروريات حياتهم ، فسقط النظام وانكسر القيد وخرج الطائر المأسور من عشه محلقاً في عنان السماء يجوب الكون برحابته ويرفرف بجناحي الفرح ينفض عنهما شظايا القيود وكِسَفَ الهوان . ونجحت ثورتهم وتم لهم ما يريدون .

ثم أتى بعدهم المصريون ، وما أدراك ما المصريين ، صناع التاريخ ، ورواد الحضارة ،وأرباب التمدن ، ومصدر الثقافة ، الضارب تاريخهم في القدم فليس تاريخهم بمئات السنين ، بل  بآلاف السنين وحضارتهم ضاربة في أعماق التاريخ ، ولهذا لم يكن من خوف عليهم عندما ثاروا وخرجوا على حاكمهم الذي حكمهم ثلاثة وثلاثون عاماً ، وهم صابرون منتظرون لعل فرجاً من الله قريب ، ولما لم يعد هناك بصيص ضوء في آخر النفق هبوا ليبحثوا عن ذلك الضوء ولحقوا بآثار السائر السابق .

وبدأوا ثورتهم ونجحت أيما نجاح لأنهم كلهم يريدون ذلك ، جميعهم على قلب رجل واحد دعواهم واحدة وتفكيرهم واحد ، وهو البحث عن الحرية وتحقيق مطالبهم العادلة ، وكسر أسوار السجون والكبت والإرهاق . وتم لهم ما أرادوا وكانت ثورتهم مضرب المثل وفخراً لكل عربي ومسلم لما حفها من الالتزام والشعور بالمسؤولية ، امتزجت بحب الوطن وعزة النفس ، وسمو المطلب وعدالة القضية ، واقتحموا النفق وخرجوا منه سالمين يحملون وطنهم وقضيتهم العادلة فوق أكتافهم وأرواحهم على كفوفهم حتى بلغوا بثورتهم بر الأمان . وهم في ذلك محل أعزاز وتقدير وإعجاب من العالم بأسره ، كيف لا وهم صناع التاريخ ورواد الحضارة ؟! .

ولكن ما نراه الآن يطفو على السطح من مظاهرات جديدة لمطالب أخرى ربما يكون مضر بما قد أحرزوه من نصر واعتزاز ، نتمنى من إخوتنا المصريين أن يحافظوا على ما أحرزوه من نصر ويحفظو نصاعة ثورتهم ولا يسمحوا لأي كائن من كان بالركوب على سنامها ونحرها وتبديد مكتسباتها فتذهب ريحها ورحها . ويكتفوا بما حققوه من مطالب ومكاسب ويدعوا صغائر الأمور فمعظم النار من مستصغر الشرر .

ثم انتقلت الأمنية بل انفجرت براكينها في ليبيا ، يظهر أن العالم العربي وشعوبه قد ضاقت بحكامها ذرعاً ، في كل مكان ، وما تلك الشرارة التي انطلقت من تونس الخضراء إلا سبباً نكأ جرحاً عميقاً لم يتبق عليه إلا أن يلمس لينفجر وتفجر ويثعب بدماء محتقنة منذو عقود ، فسلك إخوتنا في ليبيا الطريق ذاته الذي سلكه التونسيون ، والمصريون ، ولكن يبدو أن النفق لم يكن مهيأ ولا زال عميقاً وقد يصعب الخروج منه هذا إذا كان هناك من مخرج ، ربما لأن الليبيين أحفاد أسد الصحراء ، عمر المختار ، الشيخ الشهيد ، قد استعجلوا في خروجهم ولم يرتبوا أمورهم  ولم ينظموا صفوفهم جيداً فغاصت أقدامهم في وحل القائد الفاسد ، ووقعوا في براثنه النتنة الخبيثة ، فسامهم الخسف ، وقتلهم واستعدى عليهم من غير جلدتهم ، ودمر شعبه ، وأهلك الحرث والنسل ، وهدم ما بناه بيده وبايدي الليبيين في زمن قصير ، واشترى المرتزقة بأموال الشعب ليقتل الشعب ، ويهدمه ويدمره ، ويبدد ثرواته ، ومكتسباته ، متنكراً لأهله وأبناء شعبه ، ناكراً للجميل ، جاحداً افضال شعبه عليه وصبرهم عليه ثلاثين سنة ، حسوماً أذاقهم فيها الويل والثبور ، وعظائم الأمور ، في غطرسة مقيتة وعنجهية مفرطة ممقوتة ، قبح الله ذلك المتغطرس الأفاك السفاك .

ولا زال إخوتنا الليبين يصارعون ويقاومون ويتصدون للآلة القذافية الكاسحة التي لا يرعى من يتمترس خلفها الحرمات ولا الذمم ، ولا يرعوي عن الفساد وأن يعيث في الأرض والعبث بالأرواح وانتهاك الحرمات وانتهاك المحرمات .
كيف نتكلم وماذا نقول فإن ما نراه ونسمعه تذهل منه المرضعة عما أرضعت،  من بشاعة الموقف وغرابته  ووقف العالم في دهشة وحيرة واستغراب لما نهجه ذلك المتغطرس من نهج غوي ، وسلك طريقاً غير سوي ، ولم تأخذه في المسملين رأفة ولا رحمة ولا لومة لائم ،

لعل الليبيين استعجلوا في اتخاذ القرار أو ربما أنهم لم يضعوا الخطط اللازمة المناسبة ولم يضعوا خطة الهجوم ونسوا أن الضربة للأول فإن أجادها كان النصر حليفه ، إذا ما وضعها في مقتل عدوه ، ودمر نسبة عالية من مقومات دفاعه وكشف حيله ودرس خططه المحتملة قبل البدء في الهجوم عليه ، وخانهم التقدير فاستفاد عدوهم لما انكشف أمرهم .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

الاثنين، أبريل 04، 2011

إعادة رابط المدونة السابق .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أعزائي القراء والزوار الكرام
أفيدكم أنه تم إعادة المدونة إلى الرابط السابق المدون أدناه :
http://rajulwadelghamar.blogspot.com
وشكراً لكم

الأربعاء، مارس 23، 2011

لستُ بكِ مغرماً ( إهداء إليها .. وعتاب . )



أمن لسانـكِ مهلكـــــــــــــــــــــي ....... أم أن من عينيكِ اهتــــز كياني ؟
أم أن حروفكِ كالسيوف تجـردت ....... فقطعـــــت مني كـــــــــل بنــــانِ .
أم أنكِ في عداد العاشقين تقتــلي ...... وعند اللقـــــاء رحمة وحنــــانِ .
أم تنثرين الورد في طريقي مكيدة ...... وتزرعين الشوك في الأحضان .
وفي سطــــــوركِ كلمات معسولة ...... وعلى الجسد كالسيف والسنانِ .
ملك على عروش الكلام متــــوج ...... وأنتِ من ألبسني أثمن التيجانِ .
ياروردة مع نسيم الصبا تمايلـــت ...... وشذاهــــا فـــــــاح في الأكوانِ .
ياخيبة فيــــــكِ بعـــــدما تحكـــمتْ ...... في الوجدان مني هيبة السلطانِ .
فحطمــــــــــتِ ملك الكلامِ بسرعةٍ ...... وقــــــــــوضتِ دولتـه والديوانِ .
لستُ بكِ مغــــــــرم ولا لك عاشقٌ ...... ولا بــــــذكركِ ألهج ولا هيمانِ .
ولا أركض خلف السرابِ ولا المنى .... ولا عجاجة من وراء الكثـــبانِ .
ولا زهــــــــرة بلا عبــــير ولا وردة ..... بلا شــــذى وبـــــــــــــلا ألوانِ
ولا تحسبي أنـــــــي قرأتُ خصاصة ...... ولن أبحث عنـــكِ في الأزمانِ .
فسيــــــــــري وأرخي زمام الهــوى ..... ولا تطلقـــــيه في الــــــوجدانِ .

الجمعة، مارس 04، 2011

إفرازات من وحي الغضب


كنا .. وليتنا ما كنا ..
عندما تخوننا التوقعات .. ويخيب في إعجابنا الظن .
تحترق في أعماقنا شمعة طالما أضاءت بشموخ وثقة
لكنها عادت بصيصاً خافتاً يشع بضوء خافت خلف التلال .
...............
وتنطفئ القناديل وتعود السراديب إلى حلك الظلام .
هكذا عندما تضع نظرك على أزهار بعيدة ، لا تلبث أن
تعلم أنها ليست سوى حنظلة .
------------------
إفرازات من وحي الغضب .
ليس قلمي بالمرهق .. وليست كلماتي بالمبتذلة ..
ولست سوقياً لأكتب هرطقة أو كلاماً غير مفهوم ..
أنا أنطلق من عدة اعتبارات أجعلها الضياء الذي أسير
فيه والنور الذي أعيش فيه حتى أصل إلى الضفة الأخرى
وإن كان الطريق شاقاً ، فلابد للقلم أن يكون سفيراً نزيهاً
يقول كل ما يعتلج في النفس وما يدور في الفكر ..
------------------------
أنا أقرأ ما أريد أن أقرأه ليس فضولاً أو مطاردة أو تطلعاً لأشياء أخرى
سوى أن الكلمة الجميلة هي التي تشدني وهي التي تفرض قراءتها
والأعجاب بها ، وأترك ما لا أريد ولا أستسيغه أبداً ، ولكنني قد أقرأه ثم أحكم
عليه وأحكم من خلاله على القلم الذي خلفه والأصابع التي دار بينها ، لأن الكلمة
ميزان نقيس من خلالها ما خفي خلف الحجاب .
وليست القراءة حكراً على أحد وليس هناك من أحد يكتب إلا ليقرأ له ، ويعجب به كل من قرأ
ومن الإجحاف احتكار ما قد وضعه الإنسان على الطريق ليراه المارة ويعرفه الجميع ، ومن الظلم
وغير المعقول أيضاً أن يطلب من أحد المارة عدم النظر له بينما هو واقع عليه نظره بالضرورة لأنه
على قارعة الطريق .
والكلمات منثورة على الطريق بغثها وسمينها والكل يحمل منها على حسب همته وإرادته ..
------------
بقلمي .. نابع من وحي الخيبة .

الاثنين، فبراير 28، 2011

أم قاتلة






في رحم الأيام ، وأحشاء الليالي تكون حب من ماء نسمة الأثير ، وتكون وتخلق
حتى صار حباً في عنفوان الشباب .
حب جنين ، ثم وليد ، ثم سما حتى بلغ عنفوان الشباب ، ولد ولم يولد ، وعاش ولم يعش
وصار حباً ولكن لم يكتمل ، بينما معانيه ومعاناته قد صيرها القدر وحكم بها ، ولد في النفس
ووجد في القلب ، فصار حباً حقيقياً له أشجان ، وأحزان ، وأنين ، وحنين ، وذكرى وذكريات
وذاكرة تدور في عالمه وتلف الروح وتبرم النفس والجسد ، سكن في القلب وعاش فيه وترعرع حتى إذا كبر وصار في عنفوانه وظننا أننا قادرون على تحقيقه وتلبية مطالبه ، وصيانته كما يجب أن
تصان نفس وتراعى روح ، وهذا من دواعيه وحقوقه ، وضروراته ليسمو ويكبر ويبقى أبد الدهر يتوجه تاج القداسة وصفاء الشراكة وعقود الوفاء .

ولكنه ولد ميتاً بعدما كبر .. إنها معادلة صعبة ومعقدة أن يتخلق شيء ويتكون في مستقره حتى تكتمل المدة اللامة ليخرج ليرى النور ثم يشب ويكبر ثم نعود ونقول إنه ولد ميتاً .!
فهل ذلك عائد للصيغة التي تكون بها ، وتمثلت أجزاؤه وتكونت ، أم أنه كبر وكبر حتى بلغ أرذل العمر ثم فقد فكره ولبابه حتى عاد كالطفل الوليد ؟
أم أنه أطلق عليه اسم الموت لأنه ميت أصلاً حتى وإن بلغ من العمر عتياً ، ولو بلغت قوته ومتانته عنان السماء . وأن تلك الآثار المتبقية بل الساكنة في النفس هي أثار الحزن لموت مخلوق ، أو آلام فراق مجهول غير واضح الملامح والخطوط ، حتى بقيت تلك النزعات في النفس ذكرى كأنها شبح خلف حاجز شفاف لا يمكن تحديد معالمه وصفاته من خلاله ؟

إنها هي التي ولدته ثم ربته وأرضعته بحنانها وحبها وغذته بعطفها وأنوثتها ، واحتظنته وأدفته بحرارة حجرها وأنس دفئها ، ثم ربته حتى شب ثم كبر وكبر ولازال يكبر وبعد ذلك قتلته ، بل وأدته في مهده بالنسبة لها ، وقتلته كبيراً في حياتي ، وأعماقي ، وتركتني أعاني وأكابد وأد الطفل ، وموت الكبير ، ومعانات حمل أعظم مقبرة للحب في داخلي ، كان ملكاً متربعاً عرش فؤادي فتركته قتيلاً وهو جالس على عرشه ، لم يدر عن موته إلا أنا ، كأنه نبي الله داود ( مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) ولكن الفرق بين هذا وذاك أن دوود عليه السلام مات ثم ووري التراب ، وعلمت الجن بذلك ، أما أنا فلم يزل على عرشه كأنه تمثال عظيم ، فأصبح معبداً للحب أتلو عنده كلمات الحب وأغفو في كنفه لأستلهم الأيام والذكريات التي لم أرها ، وأرسم وأتخيل صوراً متفرقة شتى ، فتعددت الصور في مخيلتي ، وتشابهت علي ، بعدما كانت صورة واحدة أتقنت وتفننت في رسمها وتصويرها ، وتاهت النفس تشتت الروح بين تلك الصفحات والصور حتى صارت تظهر أمامي تومض كما يومض البرق في جنبات السماء في جنح الظلام وتراكم الغيوم .

نعم .. أنتِ .. الأم ، والقاتلة ، وأنا الفاقد المحزون .
أنا المربي لذلك الحب وأنتِ التي وأدتيه في مهده بين أحضانك طفلاً
وحطمتيه بين جوانحي بالغاً يكبر كل حين .. ترويه الآمال ، وتنبته الأحلام
وتعززه التطلعات وتوطده الأماني والآمال .

مات فيكِ وتوارى في عالمكِ ، ودرس في أرضكِ ، وبلي في أطلالكِ .
وعاش في داخلي ، ووضح في واستقر على أرضي ، وتجدد وارتفع على قمم أطلالي .
حب نصفان .. حي وميت .. كله حي لدي ونصفه ميت لديكِ .
كلٌّ هنا .. ونصفٌ هناك .. وأشلاء عند قدميكِ ، وجثة هامدة في أعماقي .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More