كانت روحي تلتقي روحها ، وتأوي إليها ، وتبقى إلى جوارها لتأنس بها ، هناك في فضائها ، في فضاءات الكون الواسعة ، وفي قمم السحاب ، وبين رذاذ الضباب الباردة ، كانت تعيش معها في حبور وسرور .
عشقتها الروح ، وهواها القلب وحن إليها الجسد ، وصورها العقل وغرستها الذاكرة في أعماق النفس ، حتى صارت الروح والقلب والجسد والعقل والمنطق .
في عشقها انطلق اللسان وانهمر سيل الكلمات ، وشمر القلم عن ريشته وانبرى يدون معاني حبها ويشرح ما في كوامن النفس لها من غرام وما بالنفس من هيام، حتى ظننت أن فراقاً لن يكون ، وأن غيابها عني ضرب من المستحيل ، وأنه سيأتي يوم ألتقيها روحاً وجسداً وصوتاً أناجيها من قريب ، وأشكو على مرآى ومسمع منها فتسمع أنيني وزفرات حنيني ، وتقرأ صادق عشقي وحبي لها في عيني وتترجمها بيقين وتدرك صدق ما كنت أقول لها عبر الأثير .
كنت أتمنى أن أقف يوماً أمامها لحظة يسيرة أتأمل وجهها الغائب عني منذ فترة ، بل لم أره مطلقاً ولكن كنت قد صورته في خيالي في أبهى وأجمل صورة يمكن أن يتخيلها عاشق لمحبوبته ، ألمس يدها وأمسح دمعها وأشتكي إليها منها وأقدم لها التضحيات وأعبر لها عن آيات حبي .
أما الآن فقد انطلقت روحي تبحث عن روحها في جنبات الكون ، بعدما شعرت بوحشة مفاجئة ، وفقد غريب ، وشوق متزايد ، وغياب طويل فلم تجدها ولم تعد تسمع همسها ، وصوتها الهادئ يتخلل السحاب ، ويقرع أجراس قلبي كأنه وحي أو إلهام .
غابت عني الكلمات التي كانت تلهمني إياها ، وانقطع عني نهر المعاني الذي كنت أشرب من نقائه وصفائه .
نعم لم أعد أراها أو أسمع همسها ، أو أجد ريحها مع نسيم الصبا أو نسمة الوادي ، ولم أعد أجد عبيرها مع نسمة الليل الباردة ، ولم أعد أر صورتها في وجه البدر أو على صفحة القمر ، لم أعد أر خيالها على التلال ، والهضاب ، لم أعد أسمع خشخشة قدميها بين خشاش الأرض تحت الأشجار ، ولا أراها تداعب الأزهار بيديها وتشتمها ، لم اعد أرها تحدق وتمعن النظر إلي كما تصورتها وتخيلتها وكما تمنيتها .
لم أعد أقرأ كلماتها وما عاد للغوص في بحر معانيها من سبيل ، فقد اختفت وانقطعت عني منذو فترة ، ورمتني بالهجر ، وقتلتني بالجفاء وأهلكتني بالبعاد .
حتى كلماتي لم تعد تلك الكلمات والمعاني خبا بريقها واختفى لمعانها ، فلم أعد أرغب في شيء بعدها ، حتى القلم هجرته حتى هذه اللحظة يبدو أنني سامنحه إجازة أبدية وأعفيه من أزيز الكلمات وتركيب العبارات .
ليت شعري لمه خلي اليوم اعتذر ، ولمه هذا الصد والهجر ؟
ترى هل قصرت في حبها ؟
هل أخللت بشيء من شروط الحب ؟
أتمنى أنها تقرأ كلماتي لتعلم من خلالها معاناتي .
من أجلها جعلت المالكية مذهبي ، وتركت جميع المذاهب .
عليك يا ناقض لتلك العهود سلام من وافي عهوده .
لقد رحلت وتركتني أعوم في بحر عميق من حبها .
رحلت وتركتني أجري خلف سرابها . وأسهر الليل لعلي أرى في صفحة القمر صورتها .
أواستنشق مع نسمة الليل عبيرها وشذاها ، إنني كما قالت تلك السيدة الفاضلة .. أنام وما بي من نوم ، وأسهر وما بي من سهر في تناقض عجيب .. أنام لعل سنة من النوم تأتيني على أمل أن يزورني طيفها ، وأسهر على أمل أن أجد في نسمة الليل عبيرها ورائحتها .
لقد رحلت .. لقد رحلت .. لقد رحلت . ورحل قلبي معها ، وهاجرت سعادتي إلى مهجرها ، فروحي تبحث عن روحها ، وقلبي يسير في ركابها ، وسعادتي تركت كل شيء واستقرت في مهجرها .
ولكن أبلغوها أنني ما زلت أحبها وسأظل أحبها ..
أعتذر منك أخي القارئ إن كان التعبير قد خانني ، فالشوق قد أعياني .
0 التعليقات:
إرسال تعليق