الثلاثاء، سبتمبر 18، 2012

أريد أماً ... !!!

 تجدونها هنا ايضاً
سألني فجأة ، وعيناه تغرقان في الدموع ، وصدره له أزيز كالمرجل
يكاد يتميز من الشهيق ، ويلفظ أنفاسه من الزفير ،

فقال : قل لي بربك كيف صدر الأم ؟!
كيف دفؤها ؟!
كيف راحتيها وهل مررتهما على جسدك؟!
كيف هما هل هما ناعمتان ، هل هما دافئتان .. ما ذا رأيت فيهما وكيف شعرت بهما ؟!
قل لي رجاء لا تبخل علي : كيف حضنها ؟!
كيف حرارة جسدها هل احتواك يوماً ؟
هل أحاطتك بحجرها كيف تدفأ؟!
هل ضمتك بين متاعها ؟! ولفتك بين ملابسها حنواً عليك وخشية؟!
هل تتابعك ببصرها وأنت تلعب بين يديها ، تتحدث هناك وقلبها وأحاسيسها معك؟!
تبكي لترحكَ ألماً ، وتبكي لفرحك سروراً !!
تسهر جالسة عند رأسك وأنت تغط في نوم عميق ؟!
تمسح بيديها على جسدك كي تشعر بالأمان ثم تبحر في نومك الهادئ الهانئ ؟!

أخبرني عن الأم تحدث إلي بكل تفاصيلها وأحوالها ، ماهي هل هي إنسان هل هي مخلوق بشري
أو ملاك سماوي ، أو ماذا هل في داخلها قلب بقدر قبضة اليد أم مضغة بحجم السماوات والأرض .
هل هي جنة أم الجنة تحت قدميها ، وكيف تستطيع أن تضعك تحت قدميها في جنتها ؟!

ثم توقف قليلاً يجهش بالبكاء .. تكاد أضلاعه تخرج من بين جنبيه تقذف اللحم والدم كما تقذف المجانيق
كرات اللهب فتدمر الحصون وتهدم القلاع ..
ثم استجمع نفسه ولملمها وهو ينتفض كالغريق من البرد .. وقال بصوت خافت .. وهو ينظر إلى قدميه
أو حولهما : نظر المغشي عليه من الألم والحزن والأسى .. أريد أماً .. أريد أماً .. أريد أمــــ ثم غاصت عيناه
في بحر من الدموع ، فلما ضاقت بدمعه محاجر العينين فاض من بين رموشه كحبال من الحميم يتدفق يشوي
اللحم ويخط في المآقي ساقية جرت فيها دموع محرقة ..

فقلت له ولست بأفضل منه .. فقد تفاجأت بالحدث واستغرقت في التأمل وحاولت أن أرسم لقصته صورة
لأتبينها ، وطرأت على أفكاري كل الأمهات وبدون في قصص عجيبة مختلفة في مضمونها متوافقة في جوهرها
أم رؤوم وحنان عميق ، وأمومة طاغية كالصواعق المحرقة إذاما تعرض لها أحد ليشوهها أو ينال منها .

لماذا ؟ ! هل ماتت أمك ؟!
هل هي مطلقة ثم هجرتك أو ابتعدت عنك بغير إرادتها ؟!
أم ابتعدت عنك لأي سبب من الأسباب ؟!
فقال : لا ..!
فبقيت متحيراً قليلاً .. ثم استطردت في سؤاله .. إذن فأين أمك ولم تسأل عن الأم ؟!
فاكتفى بأن قال : إنها حية ترزق .. ولكنها لا تعيش معي أبي .. إنها تعيش وحدها .. وأستطيع أن ... ثم سكت .

ولبرهة يسيرة ثم قال : أريد أماً أشعر بها كلما ابتعدت وأينما ذهبت ، أشعر بروحها تتعقبني وتشدني
كلما تماديت في الذهاب ، وأمعنت في الرحيل ، وأطلت في الغياب ، تحتويني وأنا في أقصى الأرض
وهي في أقصاها ، أجدها بين جنبي وفي منامي أكلي وشربي ، وضعني ورحيلي ..
اراها في السماء ، وأسمعها في صوت الرعد ، وفي نسنسة الرياح ، وهبوب النسمة .
أسمعها تناديني وتحضني على الاعتناء بنفسي ، وتوجهني وتدللني .

أريد أماً أعبد الله بطاعتها ، وبرها ، وحبها ، وتنفيذ أمر فيها ، أريد أماً ارى في عينيها دموع الفرح إذا أتيت
إليها لا دموع غيرها .
أريد أماً أسمع في صوتها أزيز الرحمة وشآبيبها ..
أجد في جوارها الأمن والطمأنينة .. أشتاق إليها كلما ابتعدت عنها ..
أريد أماً تدعو لي وتستغفر لي ربي .. أخفض لها جناح الذل من الرحمة .. فترفع صوتها بالدعاء لي .

ثم نظر إلي بعينين ملؤهما الحزن والأسى .. قد جرف ما فيهما من بياض دمع حار فجعلهما كتلة من الدم
وعروقاً ممتلئة بالدماء تكاد تتفجر فتدمع دماً .. وقال :
لقد فقدت أمي وهي حية ترزق .
إنها لا تحبني ولا تحب أحداً من أبنائها .. تتعمد أن تجعلنا مذنبين ، عاقين نعصي الله فيها
تنظر إلينا بعينين ملؤهما الكره تكاد تعض علينا أناملها ..
لا تسمح لنا ببرها .. ولا تفتح قلبها لنا كي ندخله ونترفق بها ونطيع الله فيها ..
استعادت أمومتها تجاهنا ورمتها بل كبتتها بين أضلاعها ، وأعادتها إلى ثديها ، ودفنتها في صدرها
ثم تبدو لنا كأنها صحراء قاحلة .. أو بئر معطلة ..

نعم يا أخي أريد أماً فأنا بدون أم رغم أن أمي لا زالت حية ترزق .. ولكنها كالجنة الخاوية على عروشها
لا نبات فيها و ( لا ماء ولا مرعى وحمراء قحيلة .. خبوتها واسعة ) .
فوجمتُ من حديثه ورفقت بحاله وهدأت من روعه وقلت له هذه أمك ولابد من طاعة الله فيها
وبرها .. قلت له هكذا مع أنني لا أعرف عن الأم شيئاً .. فبدت قصتي مشابهة لقصته فشرحها عني .
----------------
خيال سرحت فيه رغماً عني وبحر سبحت فيه ولست بحاراً .
واقع ملموس وحياة تعج بالعجائب .
تقبلوا تحياتي .

0 التعليقات:

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More