الثلاثاء، مايو 07، 2013

الحب والعقل واستحالة النسيان .






قد ننسى أشياء عابرة في حياتنا لأنها تمر مرور الكرام ، ولا تحدث
في حياتنا أشياء هامة تثبت في جدار العقل وبطن الذاكرة ، فيلقي
بها العقل في أرشيف الزمن المنسي دائماً ولكنه لا يحذفها إلا أنها
تندفن تحت أنقاض أحداث كبيرة وتتوارى بين غبارها .

أما تلك الأحداث الكبيرة فتصير نقشاً على جدار الذاكرة ، وكرة
مدورة تتأرجح لأدنى سبب فتطفو على ساحتنا لبرهة كالورقة
على وجه الموج تعلو تارة وتنخفض أخرى ، لكن نسيانها مستحيل
واستحضارها مسألة يسيرة لأنها تظل قريبة من الذاكرة تماماً رغم السنين
وتقادم الدهر ، لأنها قد صارت من مسلمات العمر وثوابت الذاكرة .
وماهي إلا إغفاءة يسيرة أو خلوة مع النفس لتظهر تلك الذكرى كأنغام الموسيقى
الحالمة والأليمة ، نستمتع بسماعها ونتعذب بأنغامها ، وترنمات أوتارها الشجية

المحب ذو إحساس مرهف كلخيط الحرير الناعم ، يدغدغ الملمس وتخدشه الإبرة
أدنى مؤثر يلقى طريقه إلى أعماقه المليئة بالذكريات ، المترسبة في قيعان نفسه
فيبدأ في العبث بتلك المشاعر وتحريكها ، فيلجأ للنأي بنفسه في خلوة هادئة يستعرض
شريطه بين النوم واليقظة ، حتى كأنما الأيام الماضية تجري على كفيه فينتقل إلى عالم
قديم وحياة تكاد تكون أخرى ولكنها ماضية ، فيعيش في أيامها الميتة ، ويلبس ثيابها البالية ويتقلب في حدائقها الوهمية ، ويحلق في سمائها الباهتة ..
كل حديثه فيها ماض توارى في متاريس القدم ، وأمنيات محال تحققها فما قد ذهب لم سوى جراح وآهات نتجرع غصصها ونتقلب في لهيبها رغم أننا نتلذذ بذلك .

يستحيل إن ندرب العقل على شيء ثم نأمل منه ألا يطبقه ثم ينفذه ، ومن المحال إيضاً
أن نلهمه وحياً فيتجاهله أو يلقيه جانباً ، لأن العقل البشري لا يعرف المراء والهزل
والمزاح ، ولا يعتبر ما يلقن أموراً عابرة تحتمل الصدق أو الكذب أو الجد أو الهزل
فإذا كررنا عليه أمراً يدرك أننا نعني ذلك فينفذه بعد دون تراجع أو تردد لأنه قد منحنا فترة للتراجع والكف عن أمره وهي تلك الفترة التعويدية والتكرارية في الأمر فإذا بلغت مبلغاً يدرك فيها أن المسألة جادة فحين ذلك لا رجعة له عن تنفيذ الأمر .

إذاً .. من المستحيل أن ندرب العقل على أن ينسى شيئاً وينبذه بإصرارنا بتعويده والتكرار عليه ثم لا ينفذ ما طلبنا أو يتجاهله ، وبهذا فإننا إذا عزمنا عليه أن ينسى الحب أو لا يذكرنا بشخص أحببناه وأحبنا فإنه حتماً سيلقي بكل متعلقاته في ذلك الإرشيف السحيق مع تلك المخلفات المهملة التي سبق أن صنفتها بالعابرة أو المارة مرور الكرام . وما يفعل ذلك إلا لأننا أردنا ذلك بل لأننا لم نكن نحب ذلك الشخص أصلاً ، وإنما كان حبه قصة مفتعلة مكتوبة على أوراق اللهو والتسلية والترويح عن النفس ، وهو ما يجعلنا قادرين على النسيان الأبدي بل إن تلك الذكريات تمحى من واجهة العقل ومقدمات الذاكرة وصفحات الذكريات .

أما السبب في عدم تنفيذه ونسانه لشخص أحببناه بكل جوارحنا فلأنه حب قد اندمج فينا واختلطت حروفه وكلماته بالدم والعظم واللحم ، فحين يتلقى العقل الأمر بالنسيان فإنه يدرك سلفاً أن ما نقوم به ليس إلا مجرد تعذيب للذات ، وتقوية للحب وإن كان قد انتهى وذهب كل من الاثنين لحال سبيله ويدرك أن تتلك الأوامر لا تأتيه إلا باهتة وغير صادقة ولا واضحة الملامح وما هي إلا أنين وذكريات
نهرب إليها كلما أردنا أن نروح عن النفس أو نعزيها في الحالة الراهنة بما كان في الماضي وإن كان قاسياً .



شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More