الأحد، فبراير 20، 2011

عشوائي



هذا  موضوع أكتبه هنا ، وربما أنه سيكون آخر موضوع أيضاً ، ليس لشيء ولكن الإنسان لا يدري كيف تسير الأمور ، وقد تسير بعكس ما يريد ، وتحدو سفينته إلى اتجاه مغاير للاتجاه الذي يريده ، وكما قال الشاعر : تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ..
ذلك أن ربان السفينة قابض على دفة سفينته بكل قوة ويسير بها في بحر هادئ ، بأمان يتحدث إلى البحر ويخاطبه ويناجيه ، في سرور وأمان ، حتى إذا أتت عليه رياح عاتية حرفت مساره ولفت دفته رغماً عنه إلى اتجاه آخر رغم إمساكه بدفتها بكل قوة ، ولكن دون جدوى ، فإذا به قد انحرف عن مساره وذهب في اتجاه آخر ، وربما تاه في عرض البحر أو رمت به الرياح على يابسة غريبة عليه فيجد نفسه غريباً ووحيداً في القفر والبيد ..

وقد يجلس أحدنا في غرفته يزالو نشاطه المعتاد إما في تصفح الإنترنت ، أو قراءة كتابه المفضل ، أو تلاوة ورده من القرآن الكريم ، أو قد يكون محتبٍ بفنائه عند إشراقة الصباح الباكر يستنشق نسيم الصباح التي تعبق برائحة الصباح الجميل المبللة بما تبقى من طلل الليل البارد العابقة بضياء القمر الحالم .
مسروراً يتجاذب أطراف الحديث مع زوجه وأبنائه ، أو أصدقائه ، أو غارق لوحده في عالم الذكريات الجميل ، وهائم في قعر بحر الماضي السحيق ، يتنقل بفكره بين ذكريات للماضي ، وتطلع للمستقبل ، تدور في خلده قراءات متعددة ومختلفة للحاضر والمستقبل ، فتتنقل نفسه بين أمل عريض بتحقيق كل ما يصبو إليه وما قد رسمه في صفحة ذكرياته وتصوره ،وبين مخاوف من المستقبل المجهول وما قد خفي بين طياته وكتب في صفحات القدر .

وهكذا هو حال الإنسان ذو أمل عريض ، وتطلع كبير وهرولة نحو الأفق البعيد ، ومجد في السير لعله يبلغ خط الأفق ، الذي يزداد اتساعاً كلما اقترب منه ، وبعداً ، ويطول الأمل ويكبر ويكبر العزم حتى يدفع بالنفس قسراً نحو مواصلة المسير رغماً عنها وهذا مصداق قوله تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) في نصب وشدة وتعب ، لا نهاية له إلا بنهاية العمر ودنو الأجل ، جزعاً إذا مسه الشر هلعاً ، منوعاً إذا مسه الخير .

طفولة ، وصبا ، وشباب ، ورجولة ثم إذا بلغ الأربيعن سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي .. ثم كهلاً ثم شيبة ثم تطلع واتنصت لنداء الحق ، والتهيئ للرحيل الأبدي ، والسفر الطويل الذي لا رجعة منه ، ولا عودة إلا إلى حياة أخرى برزخية يعيشها كما رسمها في حياته الأولى ، وكما خطط لها فإن خيراً فخير ، وإن غير ذلك فهو يدعو ثبوراً ، وفي انتظار آخر لحادثة أخرى أدهى وأمر ، يوم يخرج من جدثه سريعاً كأنه إلى نصب ، شاخصاً بصره تنتابه الحيرة ويعلوه الوجل ، ينظر إلى السماء كأنه ينتظر حدثاً هاماً وبالفعل هو كذلك ، فإذا به يرى الصحف تتطاير في الهواء وكل يأخذ صحيفته كما سبق وأن قرر في حياته الدنيا ..

ليس هذا محور حديثي ، لأنني جعلت هذا الموضوع عشوائي أنحى فيه حراً طليقاً غير مقيد بحبكة أو سيناريو محدد ، أو طريقة معينة ، لأنني أريد أن أطلق العنان لقلمي يتأرجح بين الكلمات ، ويتخلل الصفحات ، كيفما شاء فيكتب حراً ، ويدون حرفاً بليغاً ، إن شاء ، أو يختار ما شاء من النسج والحبك ، والسرد ، فما اجمل الحرية وما أروعها عندما تكون في قالب شريف ، معقول ، لا حرية مطلقة فتكون مفسدة مطلقة ، ولا مقيدة حتى تكون بقيود تحكمها الحدود البغيضة ، وما أجمل أن يكون الإنسان بلا حدود وليس بلا قيود .

وكما قلت آنفاً ليس لدي موضوع محدد أكتب فيه وأتناوله ولكنني أردت أن أعيد الذكريات لقلمي ، وأتجاذب معه زمن الذكريات ، وأعلن له الوفاء والولاء ، وأخبره بأنني أقدسه كما أقدس أقدس شيء في حياتي ، لأنه صديقي ، وملهمي ، ومن يطيعني ، ومن يفي لي ويحترم رأيي ، ويقف عند رغباتي وينسج كل ما يدور في خلدي على أحسن وجه وكما ينبغي أن يكون النسيج والرسم ، والتصوير .. فلله در القلم وياله من صديق صدوق ورفيق وفي كريم .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More