الاثنين، ديسمبر 31، 2012

حديث الرمال .


كم أخاطبكِ في عتمة الليل ، وأسامر طيفك مع نجمة سهيل ، وأستنشق عطرك مع نسائم الندى .
أسافر عبر الذكريات إلى الماضي وأمتطي الخيال كي أقطع قفار الزمن ، لأستقر على أطلال عالمك
التي قد صارت مفاوزاً من الأوهام وصوراً باهتة من الأيام ، وأسواراً متهالكة من الأحلام .
أحياناً أتوق إلى الحرية والانطلاق في كل مكان .. أحلق كالطائر بجناحين من السرور بمساحات
الحرية ، وأعلو في طبقات السماء حتى أرى كل شيء وأحيط بالقمم ، وأتيه بين الغيوم وأرحل مع السحاب
أتوق إلى قطع القيود التي تكبل جسدي وكسر الأغلال التي توهن روحي وجَلَدي ، لأنطلق في الأرجاء
حراً طليقاً ، كطفل بري ء ترتسم على شفتيه مراسم الجذل والبراءة .
أقف على الكثبان وأتحدث إلى الرمال ، وأستنشق عبير الأزهار ، وأعطر به حياتي المنهارة .
ولكنني عندما أرنو إلى ذلك وأهفو إلى اتساع الآفاق ومساحات الأمل ، أجد أن تلك القيود والأغلال
من صنعكِ .. صنعتيها من كحل مقلتيك ، وحَوَر عينيك ، ثم أوضعتيها في فؤادي بسهميك ..
فأعود للعيش في أحضان طيفكِ وأعيد روحي من أجلكِ إلى قيودك وأغلالك .
عندما أعود لذكر التحرر منكِ .. أتذكر أنكِ قد قيدتيها علي وحرمتيها .. في ظهيرة يوم الجمعة قبل ربع
قرن .. ولا زلت من ذلك الزمن أقبع خلف قضبانك وردهات أزمانك .. لا أعرف عن الحرية سوى لفظها
وكتابتها .. كلمة جوفاء وحروفاً مبعثرة مفرغة من المعاني والدلالة ..
فهل تعين ما معنى ربع قرن ؟! إنها سنين توغلت في أتون الزمن ، وعمر كامل عشته مقيد حرية الفكر
والتفكير .. ليس في ذاكرتي سواكِ .. ولا في كلماتي إلا حروف اسمكِ ومعناكِ .. وليس في أخيلتي إلا هواكِ .
لا زالت أول نظرة أرسلتِ علي َّ بها سهامكِ ماثلة أمام ناظري .. ولوعتها تلتهب في أعماقي .. تظهر تارة وتخبو تارة أخرى ، كالبرق المتردد بين طيات عارض استحكم في السماء في غيهب الدجى فالتقى ظلام فوق ظلام .. يتهادى من بين طياته .. فيضفي على الليل وقاراً وجمالاً .. ويبعث في النفس أشجاناً .. وتأملات وآهات .. كلما أضاء أشرقت الآفاق وكلما خبا عادت إلى أتون الظلام ..
ولا زالت كلماتك الأولى يسري صداها في أودية الماضي وشعاب الزمن فيطرق أبواب سمعي كلما زحفت
عجلة العمر وأوغت الأيام في الماضي .. ولا زالت تلك الكلمات في أول قاموسي كأنها افتتاحية قصة
أو مقدمة دستور وتشريع لا يقبل الإلغاء أو التغيير .

 أجد وحيكِ في الخيال .. وهمسكِ في المنى والآمال .. وحديثكِ في شجيرات الكثبان وذرات الرمال ..
فصرت أهوى الخلوة والإبحار في لجج الخيال .. وأهيم في تلك الهمسات الخافتة ، وأعيش بالآمال
وأعشق الحديث إلى الكثبان والرمال . في الغابة أسمع همسكِ .. وفي الصحراء أنصت إلى وحيكِ ..

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More