الأحد، يوليو 04، 2010

دمية صعبة التركيب

 
 
طفلة كنتِ تعيشين في أعماقي ، يزورني طيفكِ في كل لحظة ، في منامي العميق ، فيزيل عني كوابيس النوم المزعجة ، فأعيش معه أحلاماً سعيدة ، أناجيكِ من خلاله ، وأتمتم في سكرات النوم بحديث وكلمات تكاد تكون كالتي يتمتم بها الساحر عندما ينفث في طلاسمه وتعاويذه ، ويصنع أسحاره ولكنها ليست من السحر الشيطاني .. وإنما هي من سحر الهوى وطلاسم الحب ونفثات الغرام .

صحيح أنه لا يفهمها السامع ولكنها تفهمها النفس ، لأنها من نفث الروح وآيات الغرام وكلمات الحب .
يزورني طيفكِ حتى عند الإغماضة اليسيرة كأنه يسترق اللحظات ويستغل البرهات ليزورني ويصل روحكِ بروحي التائهة في عالمك السابحة في بحارك الطائرة في فضائك .

أيام من أسعد أيام عمري عشتها بجوار روحكِ أتلقى وحيكِ وإلهامكِ ، أيام عشتها على ضفاف نهر حبكِ أنهل من من عذبه ومعينه وصفوه ، وهو دائم الجريان من حولي كلما شعرت بالعطش للحب اغترفت منه فلا أرتوي فأغترف مراراً وكلما اغترفت غرفة ازداد عطشي بحبكِ ، فلا أبرح من مقامي وسكنت على ضفافه ورتعت بين خمائله واستنشقت عبيره وأزهاره فنسيت العالم من حولي بأسره ، واختفيتُ في دنياكِ واندمجتُ فيكِ . والتقى نهر حبكِ مع نهري فتعانقا عناق المفارقين المتيمين عندما يلتقيان مرة أخرى ، واختلطا فامتزجا امتزاجاً فظننت أنهما لن يفترقا أبداً ، وأن عناقهما سيتلوه عناق الروح والجسد .

ولكن هاهو نهر حبكِ بدأ يذبل ويجف وبدأ يتناقص من أطرافه ، وأخذت الأشجار والأزهار تموت من حوله والأغصان تذبل والأطيار تهاجر وترحل إلى الأبد ، والنهر ينحسر ويتغلغل في الأعماق ثم يتوارى إلى أبد الآبدين ، بينما لازال نهري دائم الجريان وافر العطاء يتدفق بسخاء وبعنفوان وإصرار ، يجود بكل طاقته ليملأ الوادي ويروي ما تبقى من أشجار وأزهار وينادي في الأطيار أ ن عودي  فلا زال نهر الحب جار .. ( فوا عطشا وهذا الماء جار ويا شوقاه من أهوى غريب ، وما في الناس من حسن ولكن ألذ العيش ما تهوى القلوب ، ألذ العيش قهقهة الغواني ومحبوب يعانقه حبيب ) . ( سألت أحبتي ما كان ذنبي أجابوني وأحشائي تذوب ، إذا كان المحب قليل حظ فيرمي بالسهام ولا يصيب ، وإن يرميه إحساناً وفضلاً فما حسناته إلا ذنوب ) .

كما أشرقت شمسكِ في حياتي فقد بدأت تتقدم نحو الغروب وتسير نحو الأفول ، وتنذر بالغياب الأبدي وسدول الظلام على أنحائي وخسوف القمر في سمائي وتبدد ضباب الصباح وغيوم المساء الممطرة وجفاف الليل من قطر الندى .

بدأت الذكريات تتحول إلى كوابيس مزعجة ورعشاة النوم المستمرة وتمتمات الفقد وأنات الحنين تقض مضجعي وتبدد أحلامي .
( فين الليالي الملاح ذي غار منها الصباح آح عليها وآح مافي لها من مثيل )
فيا غزال الحما ويا قمر في السماء إرفق بصبك فما له عنك في الكون بديل ) .

كم هي صعبة أطلالكِ كما أنتِ صعبة التركيب ، أتذكرين ( الدمية ؟ ! ) .
نعم أنت صعبة ولكنني أهوى الصعاب وعنيد حتى أرتقيها .

إنني أهوى الصعاب وعنيد حتى أرتقيها .
وأقاسي ألوان العذاب وإن كان مهلكي وحتفيَ فيها .
يا دمية صعبة التركيب ويا مستحيلة بتُ أرتجيها .
عندما انتثرتِ على الأرض قطعاً فعشقتُ هواية التركيب فيها .
وكم عشقتُ لملمة أجزاءكِ فأعيد سيرتكِ فيها .
حتى أراكِ أمامي جسداً ماثلاً وروحكِ فيها أناجيها .
وصورتكِ الحسناءَ في خلدي سلبت لبي ثم انبرت تداريها .
وأطلالكِ في الأجواء قد درست ثم نسجت رياح الشوق روابيها .
فلله كم أهواه من طلل وكم أهوى من أطلالكِ أعاليها .


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More