الأربعاء، أغسطس 01، 2012

نظرة قبل الرحيل .


كم طاب الهوى ، وكم فينا لعب ، وكم تغنينا بأعذب كلمات المودة والعشق . 
ورسمنا على صفحات الماضي صوراً كان مدادها همس خافت في أعماقنا ، كلما خلا بنا مكان ووجدناأننا
وحيدون مع أنفسنا لا تلبث الذكريات أن تتسلل إلى التفكير ثم تطغى ، فنسبح في غمار ذاكرة الهوى رغماً عنا
فتمر تلك الذكريات في صور متعاقبة متسارعة فلا نجد بداً من التعمق والإبحار في زخم أمواجها ، نتطلع إلى شواطئها
البعيدة ، ولكن كلما أبحرنا اتسعت أمامنا آفاق البحر وعلت في وجوهنا الأمواج العاتية ، حتى ندرك أن ذلك البحر رهواً 
بلا سواحل ولا شطآن نرسي عليها ونوقف سفينة الذكريات ، لننسى عبثاً شيئاً من متاعب الحب . 

إنما هو حياة قد كتبت علينا فدخلناها من أوسع أبوابها دون أن ندرك ما يدور في أروقتها ، ولا كيف يعيش من ينتسب
إليها من قبلنا ، ولو كنا نعلم بأحوالهم لعلنا اتعضنا أو وقفنا منها على جلية أمرها ، ولكن لم ندرك إلا وقد رمينا بمجاديف 
القوارب في قعر بحار متلاطمة . 

تقلبنا في حرها وبردها ، وتذوقنا حلوها ومرها ، وعشنا حتى شربنا فما ارتوينا من نهرها . 
كلما حاولت أن أمسح جزءً أو حرفاً من ذاكرة الماضي أجدها قد خلدت ورسخت وتجذرت في كياني ، وصارت نقوشاً 
في صفحاتي قد ثبتت ، وأيقنت أن من المستحيل أن أتمكن من مسح تلك الأشياء ، فاتخذتها مزاراً أخلد إليه كلما مرت الأيام 
وتتالت السنين ، حتى أجدد ما درس من نقوشها وأعيد رسمها من جديد ، واتخذتها عزائي وسلواي وحديقتي الجميلة التي آوي
إليها أردد فيها تراتيل الهوى والنوى ، وأضطجع على أرضها وأخلد إلى إغفاءة أحلم فيها وأستعرض دقائق الماضي الجميل . 

أستمع إلى حديثكِ يطرق سمع الذاكرة ، ولم ينفذ إلى سمعي ، وأرى طيفك يخطر أمام ناظر الذكرى دون أن تعبري أمامي 
أناجيكِ في طيفكِ العابر ، أتحدث إليك عبر همسكِ الخاطر ، أتحسسكِ من خلال أصابع الوهم والمنى والأمنيات الغابرة 
حتى أخفف عن نفسي ثقل البعاد ، وجور الفراق ، وأعيد لعيني نوماً توارى في السهاد . 

 كم أفتقدكِ فيا هلى ترى مسحتي صوري من خيالك ؟ وهل أزال الدهر حروف اسمي من صفحاتكِ ، هل تمكنتِ 
من نسيان عباراتي وألفاظي التي تفننت في انتقائها لتليق بجمالكِ وتظهركِ على قلبي الذي فيه مكانكِ . 
كم أتوق إلى لحظة عابرة أسترق النظر إلى وجهك وأتملى بجمالك قبل الرحيل .
وكم أشتاق إلى مسحة بيدك العطرة على جراح غارت في أعماقي ولم تندمل ، لعل في راحتيك دواء يهدئ ويخفف من لهيبها 
ويسكن بها خافق في جوانحي ينبض بحبك . 

هل تتصوري يوماً أنني قد نسيتك ، وهل تؤمني بذلك ؟! 
إذا كان لديك هذا الشعور أو ذاك التساؤل فأجيبي على نفسك عني بأنكِ لا زلتِ منقوشة على جدار فؤادي 
وفي أعماقي ، إلى يوم التلاقي .

 

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More