الأربعاء، أكتوبر 06، 2010

ومن الجنوب شرق



في الشرق لوحات فنية جميلة ، وآيات إلهية عظيمة ، تسبح الخالق المبدع ، سبحانه وتعالى . 
كم أحب الشرق وكم يهوي إليه فؤادي وتهفو إليه نفسي ، وكم هو جميل عندما تعانق الشمس آفاقه في ساعات الصباح الأولى ، وتزحف من خلف قمم جباله وتلاله ، وتتخلل سامقات أشجاره ، فيتكسر ضوؤها من خلال وريقات الشجر ، كالسيوف المصلتة تبرق في ساحة المعركة ، أو كقطع الفضة المتلألئة في وهج الشمس ، ولها لمعان أخاذ ، وتزحف بهدوء ولطف وهي تكتسي بحلة ذهبية جميلة ، وتطل عبر قمة الشرق كأنها تداعب الكون وتبتسم للناس مبشرة بيوم جديد حافل بالعمل والعطاء ، سامحة لهم بالتحرر من قيود الليل وسكرات النوم ، تبدو في غاية الجمال والروعة بتلك الألوان التي تصاحبها نسمة باردة تزحف من عمق الوادي نحو القمة مسايرة لضباب وديع يسير معها نحو التلال والهضاب ، فينفث رذاذه على الطبيعة فيطفئ بها حرارة الأرض ويبلل أغصان الشجر وتتربع قطراته على عروش الأزهار كالجمان  ثم يتحدر منها كأنها دموع أسالتها حرارة الأحزان وأنات الآلام . 
روعة المنظر في تلك اللوحة الفنية الرائعة ، عهندما تلقي بنظرك إلى قعر الشرق في لحظات صعود الشمس وإطلالتها على الكون فتلقي باشعتها في فسحات الشرق حيث تناثرت هناك قطع من السحب المتفرقة هنا وهناك ، فوقع الضياء عليها فاتشحت بلونها الأصفر فأصبحت كأنها قطعاً من الذهب نثرت على حلة زرقاء ، أو كأنها نمارق من الذهب مصفوفة أو زرابي مبثوثة ،  سبحان الخالق المبدع ، فأعطت للشرق بعداً أفقياً رائعاً جميلاً فاستقرت العين محدقة في تلك المناظر الخلابة ، واستنشقت النفس نسمة الصباح الأولى الباردة ، التي تسربت عبر الوادي تداعب الأغصان وتغسل الأزهار وتروي الأعشاب صاعدة نحو القمة وكأنها رسول يوم جميل أو هدية شرقية بعثتها آية النهار قبل أن تشتد في كبد السماء ، فوقعت على الجسد ببرودتها وعليلها وعبق الأزهار التي ارتحلت معها ، أو كأنها هدية وداع لليل حالم بدد حلكته نور القمر عندما أسدل ستاره على الكون فغفت في هدوئه المخلوقات ، واستيقظ العباد والعشاق كل على شاكلته وانبرى في شأنه ، فألقى بآخر محاسنه مع نسمة الصباح وأشعة الشمس في مطلعها . 

ليس بالشرق من الغرب ، الذي أتحدث عنه ، وليس بالشرق من الشمال ، ولا بالشرق من الشرق ، ولكنه الشرق من الجنوب ، ومن الجنوب شرق ، ومن شرق الجنوب شرق الشمال ، وقد لا أريد أن أشرح هذه العبارة أكثر من هذا حتى لا يقع القارئ في حيرة أو يتضجر من التداخل في التركيب وربما التعقيد ، أو تبدو له التعابير شيئاً من الهرطقة والسفسطة غير مفهومة وإلا فهناك شرق الجنوب ومن الجنوب شرق ومن شرق الجنوب شرق  ومن شرق شرق  ، وشمال شرق ، إنها مشارق متعددة وللشمس ثلاثمائة وستون شرقاً فسبحان رب المشارق والمغارب . 

قد تبدو هذه التركيبات غريبة ومعقدة نوعاً ما ولكن بقليل من التأمل سيتضح كل شيء بالنسبة لأي قارئ ولا ريب أن هناك قارئ ما سيدرك هذا المعنى لأول وهلة يقرأها . 
في تلك الربى بجبالها الشاهقة ، وطبيعتها الخلابة ، تهفو النفس ويهوي الفؤاد ، وهناك وفوق جبالها في عمق الفضاء وأفق الكون البعيد سكنت الروح واستقر بها البحث ، حيث وجدت نصفها الآخر مستقرة هناك فالتحمت بها وظلت بجوارها تناجيها وتهتف لها وبها ، والجسد في الغرب ، قابعاً ، تدفئه روح الحياة ، وبقية الأجل . 

كانت الصدف والأقدار التي انتزعت الروح وطارت بها نحو كواكب الشرق فاستقرت هناك بجانب كوكب الزهرة تدور من حوله كأنها نيزك تشده جاذبيتها فصار يدور حولها كالطائف حول معبده . 


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More