الثلاثاء، أبريل 03، 2012

نسيانكِ ضرب من المستحيل .






تنبعثين في لحظات عمري كل حين ، ويحشر خيالك على عرصات حياتي كل لحظة من لحظاتي ، وتقوم قيامة البعد والنوى لتعذيب القلب وتضني الصب ، وتلظى الأحاسيس والشعور بلهيب الذكريات وآلام أصداء الماضي .

تنفخ اللحظات العابرة والعذابات السافرة في صُور الذكريات فتتطاير أوراق الحنين والجوى ، وتخيم ظلمات الجفا ، فتأخذ بناصية الهواجس وتبعثها في أعماقي وتزحها زجاً ، وتنزع شوى النفس فتتلظى نارها في أعماقي ، حتى أجدني أسبح في لجج حبك الذي لم يعد سوى جراحاً من الذكرى تحرق العمر وتهد القوى ، وتحط بثقلها على كاهلي حتى يكاد ينوء بحمله ، ولكنني أعالجها بتجرع الغصص والتصبر على آلامها والتقلب على جمر نيرانها ، والتصبر بذكراك والتسلي بطيفك وعبور خيالك في لحظة إغفاءة يسيرة فأعيش في نارها وقد أصبحت برداً وسلاماً بمشاعر حبك القديم المتجدد بتجدد الأيام والسنون .

كلما مر بي العمر وتقدمت بي السن وتتالت الأيام أقول إنني سأنساك ، وأدفن ذكرياتي وذكراك ، وأحرق أوراقكِ وأزيل طيفكِ وأطرد خيالكِ من مخيلتي ، وأمزق دستور حبكِ وأمحو قوانينكِ ، وأعتزل دولتكِ وأعلن الخروج عن حكمكِ ، فإذا بي أزداد بكِ شغفاً وأهيم بكِ كلفاً .

وكل شيء في هذا الكون يذكرني بكِ ويبعث طيفك أمامي من جديد ، وينشر حروفكِ ويبعثر كلماتكِ في الهواجس والمخيلة ، حتى تسيطر صورتكِ على لوحاتي وتطغا على ريشتي فأرسمكِ وإن كنت أتخيل شيئاً آخر .

الأطلال البالية لها معي حديث ولي فيها وقفات خالدة بخلودي وباقية ببقاء عمري ، تذكرني بكِ كلما أشرفت عليها ، بل أصبحت جزءاً من حياتي وعنواناً لذكرياتي .
وتغاريد الطيور وشقشقة العصافير تذكرني بكِ ، وفي هبوب نسمة الوادي واهتزاز الأشجار والأغصان ، وفي صوت الشلال تذكرني موسيقاه وكأنها تردد الألحان بصوتك ، وفي تلبد الغيوم في السماء ذكرى لكِ في فؤادي باقية أبد الدهر ، وفي احتجاب الشمس وتغطيها في الغمام كتغطية وجه العروس لي أنة وحنين ، وجراح تتجدد وتلتهب من جديد .

وفي ارتداء الورد قلانس الزهر وارتوائه بماء الطل ، لي آلام أشكو منها وجراح أتقلب عليها ، وفي إشراقة الشمس الجميلة عندما تبث ضياءها وترسل خيوطها كأنها أطواد من الذهب تغرسها في الأرض الباردة فتثير الضباب وتنثره في الأرجاء ، يتخلل الأشجار ويتوهج على الأغصان الندية ، لي تنهدات ، وتأملات ، وتجديف في أعماق ذكراك ، وبحار اشتياقكِ .

وفي قطع السحاب المنتثرة في السماء عند الإشراق والأصيل كنمارق من الذهب مصفوفة على زرقة السماء تسبح الخالق العظيم ، لي شخوص وتقلب في سموات ذكرياتكِ وأراضين بعادك وأعماق هجرك وصدكِ .

أتذكركِ فأغدو كالمذهول حتى أغيب في ظلمات الأحلام ، وجمر الذكريات وجحيمها ، فأيقنت أن نسيانك ضرب من المستحيل ، و ( قد ثبتت في القلب منكِ مودة كما ثبتت في الراحتين الأصابع ) فأعود عن التفكير في نسيانك لأعيش في متاهات الذكريات ، وأتقلب على نيران الجفاء ، وأعالج غصص البعد ، وأعيش على آمال ( وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا ) .


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More