الخميس، أكتوبر 28، 2010

بحثاً عن الليلك والسديم


بين حروف كلماتها تجولتُ ، وتخللت سطورها الكريمة البهية ، وتأملت كل حرف من حروف تلك الكلمات ، ووضعت رحلي في تلك الجنبات والحما ، وأنخت مطية الذكرى بباب الذاكرة العتيق ، ثم يممت بوجهي نحو سمائها وأطلقت النظر إلى عنان فضائها ، فغار في أسباب السماء ليعتلي في رحاب الكون وهام السديم .

فهدأت النفس واستقر كيانها وسرى دفء الذكريات في أرجائها فوقع عليها بارداً لطيفاً كما تقع نسمة الليل على ميسم الزهر ، فارتاحت وسكنت ، ثم ابحرت تسير مع رياح هادئة قائدة ، تشق أمواج الذكريات القديمة ، الجميلة ، وهزها الشوق وتسارعت خطاها بحثاً عن الليلك ووهج السديم .

ثم تسارعت النبضات في أرجاء قلب ممزق ، ومتيم ، ونفس مفارقة حزينة ، وكلما اقتربت الخطا وتسارعت ولم تجد في تلك الأمواج بوادر البشرى تلوح في أفق الزمن وكبد الذكريات عن زهرة الليلك ووهج السديم فخطوة أمل تحدوها نحو الأفق وتدفع بها نحو أرض شاسعة ومفاوز متباعدة ، وأرض مترامية الأطراف من الآمال والتوجس ، والأحلام واليأس . وعثرة يأس تلقي بها في الحضيض . وكل خطوة تسعى لتكون هي الأقوى وصاحبة القول الفصل ، ثم تسارعت وتصارعت حتى كان القول الفصل هو صوت النذير.
ولم تعد إشعاعات الأمل تلوح وتتوهج في الأفق ، أو تضيء الطريق ، ولم تعد بصيص أمل في نهاية نفق عميق ، وبدأت أضواء الأمل تخبو وتأفل ، حتى كرهت من أفولها كل الآفلين .

حتى إذا رست النفس على يابسة الذكرى ، وشاطئ الأحلام المتحول إلى اليأس وذرات البؤس والأسى ، وجالت النظر حول ذلك الشاطئ السحيق الممتد مد البصر ، المنبعثة منه أبخرت السراب ، ولفحة القر والهجير ، فإذا به مزيج من الذكرى المعتمة المؤلمة ، تحولت من الأنس والفرح إلى أشباح وملامح الترح ، فأصبحت ذات وجه شاحب ، وجسد ناحل ، وكيان متهالك ، وبدت ساحات الأرض المنبسطة أرضاً جرداء زرعُها الآلام والأحزان والأسى ، وثمارها البعد والجفاء والهجر والبين .

تجولت في أرجاء تلك الديار فلم أعد أر فيها من ذلك الجمال الآسر الذي استقرت وهدأت به نفسي في يوم ما . ولم أعد أر فيها من الجمال سوى صورة رمزية تبدو عليها نقاء الطفولة وآيات البراءة ، ممزوجة بملامح الحزن والأسى والحيرة . كنت أتخليها ذات يوم في صورتها وأرسم خطوط جمالها وطيبتها وبراءة قلبها وجمال روحها .

فلما رأيت الأرض مقفرة ، والدار دامرة والجنبات موحشة ، إلا من بعض أناس لا يمثلون شيئاً بالنسبة لي عدت من حيث أتيت وقد ذبل الليلك وخبا وهج السديم .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More