الخميس، مايو 05، 2011

حياتك هي اللحظة ( إفرازات تأمل )


بسم الله الرحمن الرحيم .
كعادتي في التأمل والإبحار في عالم الملكوت ، وهذا فضل من الله تعالى من به علي ، فقد جعلني
معجباً بالتأمل في ملكوته وآياته التي لا تعد ولا تحصى ، فأبحر بسفينة تأملاتي في خلقه ومخلوقاته
أتمتع بالتنزه بين جنباتها العظيمة ، وأستشعر هيبتها ورهبتها ، وأتأمل فيها عظمة الخالق سبحانه وتعالى .

وكم هي رائعة تلك اللحظات التي تنفرد فيها مع نفسك ، بعيداً عن الضوضاء والفوضى ، واللغط ، وزحام الحياة ، في حلكة الليل المدلهم ، في غفلة من الأضواء والأنوار ، تحت جنح ليل رهيب ، تخترق سكونه أصوات مخلوقات الليل ، ويبدد عتمته نور القمر الساري في ناحية من السماء وعليه من حلل الوقار وقار ، يجوس خلال النجوم والكواكب في سماء قد زينتها مصابيح من صنع الخالق عزل وجل .

فكان من ضمن رحلتي في تلك التأملات : الإنسان وعمره فتبادر إلى ذهني قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما معناه : أعمار أمتي بين الستين والسبعين ، وقليل من يصل ذلك ( معناه ) وتبادرت إلي تلك اللحظات ، والدقائق ، والساعات ، والأيام والأشهر ، والسنوات التي قد يكتب له أن يعيشها ، وأمله العريض والطويل في أن يبلغ من العمر آفاق الكون ، وعتبات المستحيل ، بأمله العريض ، وتطلعاته الجمة التي كثيراً ما تنسيه اللحظات الماضية لأن بصره شاخص نحو المستقبل المجهول ، فيركض خلفه دون توقف ولا تأنٍ ، فينسى كل لحظات عمره ، التي مضت بما فيها من فرح ، وترح ، وسعادة ، وشقاء ، ومرض ، وصحة ، وألم ، وتعب ، فيظل مسرعاً بخطوه نحو بلوغ خط الأفق الذي يتسع كلما اقترب ، ويبتعد كلما اتسع .

نقول فلان عاش ستين سنة ، وآخر عاش ثمانين ، وآخر عاش عشرين ، ومن كان ذو حظ وفير نوعاً ما عاش تسعين ومائة ، ومن كتب عليه أرذل العمر تجاوز المائة حتى عاد كأنه طفل كيوم ولدته أمه بما كتب الله عليه ذلك ومصداقاً لقوله تعالى : ( ومنهم من يرد إلى أرذل العمر كي لا يعلم بعد علم شيئاً ) .
ولكن مع كل هذا العمر الطويل ، يتبادر إلي تساؤل أعتقد أنه صحيح ووجيه ، ولو تأملنا فيه ملياً لبما اتفقنا على صحته ، وهو استنتاج أيضاً بأنه مهما عاش الإنسان من عمر وسنين طويلة ، بثوانيها ودقائقها وساعاتها وايامها وأشهرها وسنيها ، ( فليس له من كل ذلك إلا اللحظة التي يعيشها ويمارسها فعلاً في حينه ) فقط ، فالدقيقة التي قد خلت انتهت ولم يعد له منها شيئ أبداً وقد ذهبت بما قدم فيها ، من خير أو شر ، ومعروف وإحسان ، أو عمل صالح ، أو ارتكب فيها إثماً ، فقد رحلت ولم يعد بمقدوره استعادتها وتلافيها ، وكلما مر الزمن ازدادت منه ابتعاداً .
وأما اللحظة التي بعدها فلا يدري هل يدركها ويصلها أم تنتهي حياته عند لحظته التي يمارسها في حينه ، وتلك اللحظات ايضاً ليست له ولا يستطيع أن يقدم فيها شيئاً لأنها لم تحن بعد ، وليس له منها إلا أمله العريض الذي يجعله في فسحة من العمر ، واستبشار ودافع نحو المضي قدماً في معترك الحياة ، وباباً مغلقاً دون اليأس ، والإحباط .
ومن هنا نفهم أنه مهما عشنا من عمر فليس لنا منه سوى ( اللحظة التي نعيشها فعلاً ) أما الماضي فقد مضى وطويت صفحته ، وأما المستقبل فلا يزال في علم الغيب ولا ندري هل ندركه ؟! .

فما فائدة حياة ليست إلا لحظة أو واحدة كلمح بالبصر ؟
فبين إغماضة عين وانتباهتها فإذا بك نسياً منسياً .
فتأمل معي ( القصر الشديد للعمر ) .
وتأمل : فليس للإنسان إلا ما سعى .
فعمر قصير ، وأمل عريض .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More