السبت، يونيو 29، 2013

صراع الذكريات .



 تجدونها هنا أيضاً ..
أين أذهب من الذكريات التي تجتاح ذاكرتي كعاصفة بحرية تعالج الأمواج وتحملها على ذرات الرياح فتضرب هذه الموجة بتلك ، حتى يسمع للبحر دوياً ترتعد منه الفرائص ويكاد القلب منه يسقط في داخل الأحشاء . أو كأنها رياح عاتية اجتاحت الغابة ولها صرير بين أغصانها وأوراقها ، كأنما هي غضبة إلهية تحطم الشجر وتنقل الحجر ، ولا تبقي ولا تذر .
أين أذهب منها وكيف أنجو من صريرها في ذاكرتي ، وأمحوها من شريط الزمن المتسارع بين محطاتي ، يتذبذب من محطة إلى أخرى بغير هدى ولا نظام .

عجيب أنا وعجيبة هي ذكرياتي ، وغريبة ذاكرتي ، عندما أجدني جالساً وحدي أتجول في أيامي الغابرة ، وأنظمها في عقد داخل الذاكرة ، أفرك خرزاتها بين أصابعي كأنني أسبح بسمسبحة من الكهرمان ، أو الخرزات المطعمة بالأضواء الفسفورية ، تضيء في ظلام الليل ، مما يزيد ثباتها في خضم العقل والذاكرة ، كيف أتلذذ بها وأرنو إليها كل حين وأهوى تفاصيلها ، وأعشق همسها وتخيلاتها ، وأوهامها وحقائقها ، وكذبها وصدقها وسرها وجهرها ، وبعدها وقربها ، وتماديها في أدغال الماضي ، وضربها في رحم المستقبل وغموضها خلف أستار الزمن الباهتة ، ثم أتمنى الخلاص منها أو محوها من جدار قلب ممزع ممزق بين صخيرات الأيام ، وعرصات الماضي السحيق ، وكيف أداوي تلك الجراح التي تنبعث كلما غفوت على وسادة الماضي العتيق ، لأبحر فوق أمواجها العاتية ، وأستمع إلى لغطها ولممها . 


وكيف أنجو من هزاتها الشديدة التي تهز جسدي كأنما ضربتني موجة برد قارص ألقى بصقيعه على تلال صحراء قاحلة في ليلة شتاء قارص ، وكأنني أسير في فضاءاتها إلى غير هدى في فيافي الذكريات ومفازاتها الشاسعة ، وقفارها الحمراء القاحلة .

كلما مر يوم من عمري اندرجت في عقد ذكرياتي خرزة جديدة ، وابتعدت عقدة أخرى وتوارت خرزة أخرى من عقد الذكريات إلى غياهب الزمن ، لتبقى جرحاً غائراً في أعماقي يهب علي  بأوجاعه كلما هبت ريح الصبا ، أو انبعث ضباب الصباح يزحف من عمق الوادي وهو يتصاعد نحو القمة ، ويعلو في آفاق السماء ، حتى يحجب الشمس عن الأرض ، ويكسوها بفيء ظلاله المتسلل من خلاله ذرات كقطر الندى ، فتهتز تحته الأغصان وقد ولامسها بظلاله الحانية ، ومسح عليها بنسمته العليلة ، وسقاها بقطراته الباردة ، وخرجت الأطيار على الأغصان جذلى ، تهتف وترفرف بريشها في يوم كأنه أرسل هدية من روضات الجنة .

كيف أرجو أن أنسى وأدفن ذكرياتي وأمحوها ، ولي مع الوادي صحبة ، ومع الطير سجال ومع الأغصان مصافحة ومع الأزهار عطر فائح في كل أنفاسي ، ومع الرمل همس ومع العشب روح تدب بينه ، حتى مع الضأن ، والشريم ، والمنجل ، ومع الصيف والشتاء والربيع والخريف ومع الطرقات . 


كيف أنسى ولي مع الغروب لقاء ، ومع الأصيل بكاء ، ومع خيوط الشمس المشرقة موعد على التلال ومع السماء نظرة متأمل كأنني أطيل النظر فيها لأرسم معالم ستكون ملازمة لحياتي ، ونداً لأيامي .
عجباً من بعض البشر ومن بعض القلوب كيف تنسى وتتجاهل ؟
فهل هي قلوب حية أصلاً .. أم أنها بلاقع وصحراء قاحلة ؟
كيف جدران تلك القلوب ، وكيف داخلها وخارجها ، وهل فيها من حياة أو نسمة من هواء الوفاء والصدق والإخلاص ؟!!

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More