الأربعاء، مارس 13، 2013

وا أسفي عليها .. لقد ماتت .


كانت معنا ، تعيش بيننا ، تسير معنا أينما سرنا
وتقيم معنا متى ما أقمنا ، وترحل معنا كلما حملنا متاعنا
كانت تعيش معنا في بيوتنا ، وفي مراعينا ، وأماكن عملنا
تحفنا بأدبها الجم وأخلاقها الفياضة المنقطعة النظير ، تأخذ بأيدنا
إلى كل خلق حسن ، وتدلنا على كل خير ، وتأمرنا بالوفاء بالعهد
وتحثنا على الإخلاص في العمل ..

سكنت قلوبنا ، وزينت أخلاقنا ، وعمقت أواصرنا ، وأمنتنا من بعضنا
أحبتنا وأحببناها ، نادتنا فأجبناها ، وصافحناها فكانت تصافحنا بحرارة
الصدق والوفاء والإخلاص .
كانت معنا تسير في الطرقات ، والأزقة والشوارع ، تزين مشاريعنا وتتمم
أعمالنا ، وتباركها ، تراقبنا في أماكن العمل ، في كل ميادينه ، في المكاتب
والمكتبات ، والمستشفيات .
كنا نراها في أصغر الأعمال وأقل الأماكن ، لا تأنف ولا تابى من الحضور معنا
ومشاركتنا في كل أمر من أمور حياتنا ، وكنا نسعد بها ونفرح بوجودها ، ونتمنى
ألا تغيب عنا حتى ونحن بمفردنا ..
كنا بها سعداء أجلاء عظماء ، وسادة الناس ونموذج الخلائق ..

أما الآن فوا أسفي عليها .. وواحزني عليها وكربتي لفراقها ، فقد ماتت ورحلت
ولبست كفن المغيب وآذنت بالرحيل ، وغابت من بيوتنا ، وشوارعنا وخلت منها
أعمالنا ، واسلمت روحها لخالقها ، وصعدت إلى سماء ربها باكية ، حزينة على
ما اعتراها من تفريطنا وإهمالنا لها وتخلينا عنها ، وتركت دنيانا منها خراباً
ونفوسنا بلاقع ومفاوز وقفاراً ، وقلوبنا خاوية من صفاتها وأخلاقها ..
فلم نعد نراها في الشوارع ، ولا أماكن العمل ، ولا حتى في الحديث فيما بيننا
جفت منها النفوس وافتقرت إليها الأخلاق ..
نعم لقد ماتت وصعدت غلى بارئها تحقرنا وتذمنا وتشكونا إلى الله تعالى لأننا تخلينا
عنها وتركناها .
فوا أسفي عليها ويا حزني عليها في حين لم يحزن عليها سوى من افتقدها أما الآخرون
الذين لم يتحلوا بأخلاقها ولم يتصفوا بصفاتها فلا زالوا في غيهم وجهلهم ، يمارسون كل
ما يخالفها ولا تأخذهم في الناس لومة لائم ، وضربوا بها عرض الحائط .

هل عرفت من هي ؟
أخرج إلى الشوارع وابحث عنها في أرصفتها ، وجسورها ، وإذا لم تعرف من هي فاذهب
إلى أماكن العمل وتأمل وابحث عنها في وجوه البشر ، وفي حديثهم ، وأعمالهم ، وقلوبهم
وإذا حدث ولم تعرف ما هي فاعلم أنك قد فقدتها وخرجت من بين جوانحك غير آسفة عليك
فلو أنك عرفت ما أقصد دون الحاجة إلى تفكير لأيقنت بها ولتحركت في نفسك وحدثتك وأخبرتك
بما اقثد ، فعد فابحث عنها في نفسك وحرك لها ضميرك ، وافتح لها صدرك وأسكنها قلبك فلعلها
تعود إليك ، وإذا لم تدرك أيضاً فاعلم أنها قد غادرتك وذهبت إلى غير رجعة ، وخلف من بعدها
خلف الخيانة والغدر والكذب ، والغش ..

فهل علمت من هي ؟
إنها ( الأمانة .. ) نعم إنها الأمانة قد رحلت وماتت في قلوب البشر ، وجفت منابعها وأظلمت برحيلها
الأفئدة ، وشاهت من مغادرتها الوجوه ، وساءت الأخلاق وفسدت الأعمال وأصبح الناس كأنهم
بشريعة الغاب يحتكمون . ويأكل بعضهم بعضاً ، سفهاً وسوء خلق لا يبالي من أي شي يعيش .

فهل ستعود يوماً يا ترى ؟

الثلاثاء، مارس 05، 2013

محطات الزمن .




ما من أحد إلا وله ماض ، وما من أحد يمكن أن  ينسى ماضيه ، الماضي هو نقاط مراجعة يتوقف عندها كل واحد ، وسفر يعود إليه في معظم الأوقات ، ولكن  تختلف عودة كل واحد لماضيه عن الآخر ، فمنهم من يعود  إلى الماضي نادباً حظه ، متهالكاً أمامه ، محبطاً فيعلن فشله  من جديد ، ويبقى عند أسواره ينظر إلى أعلاها يتمنى على الله  الأماني ، فلا يستطيع أن يغادر لأنه أعلن فشله . ومنهم من يعود إليه ليستلهم مستقبله ، ويصحح مساره  وكأن ماضيه مرآة ينظر فيها إلى مستقبله ليسير على منهاج  صحيح بخطى ثابتة .

والماضي محطات في أغلب الأحيان نتوقف فيها لنحتسي قهوة الذكريات ، ونخلد إلى نوم خفيف نستعرض كل لحظات الماضي أو جزء منها لنستيقظ من تلك الغفوة وقد استرخينا  فنعود أقوياء أو كأنها لحظات قراءة في كتاب .

الأحد، مارس 03، 2013

وأبى عقلي إلا أن يعود إليك .




قالوا انسى ما مضى ولا تلتفت ، تلك أيام قد خلت ومحت كل ما كان ورسمت ، على جدار الزمن تاريخاً بحروف قد بهتت ، ولم تعد سوى دمنة قد درست ، وعفت على أطلالها ورسمت . 

فقلت كيف أنسى ، وكيف لمثلي أن يذهب قدماً دون أن 
يتوقف قليلاً ليستنشق من عبير الزمن الغابر جرعة 
ليندفع بها بها نحو الآفاق ، حيث قد انكفأت الأيام ، وذاب
العمر وارتمى البصر ؟ 
ذلك الماضي السحيق ، دستور قد طبعته السنون ، ونقشته 
ريشة الزمن ، على آطام السنين ، وآكام الحياة ، فهو وإن كنا
قد طوينا صفحاته ، وختمنا على دفتيه إلا أننا نعود في لحظة 
تأمل نفتحه لنسترخي ، ونشتم عبير غباره من بين طياته .. 
ثم نستلهم مستقبلنا من خلال نسائمه ، ونندفع في حاضرنا من 
خلال خطراته . 

نعم إنها تلك الأيام التي قد انتهت ، ولم يعد اسمها أيام أو حاضر 
أو مستقبل ، بل قد تدثرت بدثار اسمه الماضي ، يزيد تمادياً وتباعداً كلما أشرقت شمس وأطلت بوجهها من خلف آفاق المشارق ، ترسم لنا يوماً وتسميه حاضراً ، فما تلبث أن تشيح عنا بوجهها وتتوارى في عتمة المغارب لتنبئنا بأن حاضرنا قد ولى وأمسى اسمه ماض عتيق وطوت به جيلاً من حياتنا ، وزادت صفحات الماضي مضياً . 
ولكن كيف أنسى ذلك ؟! وإن كانت تلك الأيام قد أصابها إعصار فاحترقت أو سقطت وتهشمت ، أو تعثرت فناحت وولولت وتململت ؟! 
إنها مخزن العمر ، وذاكرة العقل ، وملاذ الفكر ، يعود نعود إليها كلما شعرنا بأننا في حاجة للاسترخاء والراحة ، نستغرق في تأمل وتفكر ، وتجديف وإبحارفي يم السنين الخالية ، لنوقظ ما استغرق في سبات من عقلنا ، ونبعث ما توارى تحت ثرى النسيان من ذاكرتنا ، ونستلهم من ذلك السفر جادتنا الجديدة . 

الماضي هو نتاج العمر وحصيلته ، نسعد بالبقاء في لحظات ذكراه ونأنس بكل دقائقه وثوانيه وإن كانت وهم وخيال ، نرى لحظات الشقاء فيها لحظات سعيدة وجميلة ونتمنى أن تعود رغم أنها كانت قاسية ، وناسى على لحظات السعادة التي قد عبرت ومضت ، ولكنها ترتسم على محيانا ابتسامة خفيفة لمجرد عبور تلك الصورة أمامنا في لحظة تأمل ، ما تلبث أن تختفي عندما يطرق الماضي على أبواب الذاكرة ليقول إن تلك سنين قد خلت ، فلا تعيش في وهم الماضي ، وتتجرع غصته .

عندما يقولون لي إنسى ما مضى ولا تلتفت ، تدب في جسمي حرارة الأسى ، وكأنما تحول دمي إلى حبيبات تتدحرج في أنحائي ، فأغمض عيني قهراً ، وأصم أذني هجراً كأنني لم أحترق بلظى العذل ، والتشفي ، لأجد أنني قد توغلت في أدغال الزمن الغابرة ، وفتحت صفحاته ، وقرأت بعضاً من سطوره في لحظة عابرة ، وأبى عقلي إلا أن يعود إليها لينطلق منها تارة أخرى .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More