الأحد، يونيو 27، 2010

أوراق الزيزفون



وتتمادى الأيام في الرحيل  ، وتبتعد كثيراً ، تذهب في صخب ، وضوضاء عارمة ، وجلبة مقصودة وغير مقصودة ، لا تلوي على شيء حتى تتوارى عنا في ردهات الزمن ، وتتسلل من خلال أغصان العمر وغيوم المستقبل تجتاحنا بدويها وترعبنا بغوغائها . 

غريبة عجيبة هي الأيام ، تعيش معنا كأنها طفل وديع ، وتصاحبنا كأعز الأصحاب وأوفى الأوفياء ..  تلاحقنا  .. تسعدنا .. 
تضحكنا .. تجمعنا .. وتدخل الطمأنينة إلى نفوسنا  ، ثم تنسينا كل ما له علاقة بالمستقبل ، بل تطبعه بطابع الأمل العريض ، حتى أننا ننظر إليه آفاقاً واسعة لا حدود لها ولا خطوط تحددها ، رحبات ولا حواجز تحجبها .. وباحات واسعة ، وجنات وحدائق وارفة  . 

تجمعنا .. تفرحنا بمن نعرفهم ، وتزرع في قلوبنا حبهم  ، وتجمعنا بمن لا نعرفهم  ثم تزرع حبهم في أعماقنا وتطبعه بطابع آخر يختلف عن ذلك الذي وضعته لمعارفنا ، ونحن نسير في ركابها بأمان .. بل نسيان وغمرة فرح ساهون . 
نؤمن في قرارة أنفسنا بأن كل ذلك لن يدوم ، وأنه مجرد شعور عابر تخالطه شوائب الهم والحزن عندما تختلط الذكريات في حياتنا وفي ذاكراتنا ، كما يختلط الدم بالفرث ، واللحم بالعظم ، أمور مختلطة متلاصقة ، تبدو كأنها في صراع أبدي لتنفصل عن بعضها حتى تعيش على انفراد دونما تعكير أو إزعاج قذى .. ولكن هيهات أت تنفصل أو تعيش دون صراع .. ولكننا نتمادى في إظهارالسعادة والفرح الذي ندرك أنه لن يدوم .. بل ندخل في متهاهات ودهاليز إمعاناً في إبداء السرور والسعادة .. 
فنخوض قصص الحب ، والصداقة ، وكل تعاملات الحياة الضرورية ، التي نحاول أن نقنع بها أنفسنا بأنها هي الجانب المضيء في حياتنا ، ونسير على حافة جانبها المظلم بحذر شديد ، ولا نأمن أن تنزلق إليه أقدامنا . . وهناك من تلقي به ريح الحياة منها في مكان سحيق ، فيبقى يسبح ويغوص في خضمها وتتقاذفه أمواجها العاتية ، وقد يكون محظوظاً إذا قذفته تلك الأمواج إلى البر وهو سليم الروح والجسد . 

وتمر بنا الأيام .. فعشنا قصة حب لا تكاد تلم بوصفها الكلمات ، ولا تأتي على معانيها العبارات ، ولا تنفد في وصفها أبحر الكلمات ، فتعمق في نفوسنا وتغلغل إلى أعماقنا ، وثبت في قلوبنا كما ثبتت في راحتينا أصابعنا ، وأمنا الأيام ، ونسينا مكائدها وطلاسمها وسحرها ، حتى ظننا أننا قادرون على الصمود أمامها ، وكبح جماح غيها وصلفها ، ولم نحسب حساباً لما بعد ذلك .. 

ورحلتْ .. وابتعدتْ .. دون إنذار .. ولا أي توضيح أو تفسير .. 
توارت في ضباب الزمن .. وأشجار الأسى . 
وأغصان الحزن .. وجذوع الزيزفون وتدثرت بأوراقها القلبية ، وتضاءلت في لون لحائها الرمادي  . 
وانطوت بين أزهارها الصفراء الباهتة ، فتلونت حياتي ونفسي بتلك الألوان ، رمادية باهتة ، ثم صفراء فاقعة ، ثم عادت وذبلت حتى بهت لونها وزالت عنه نضارته . 
كيف أصف بعدها .. ؟ 
كيف اصف ما أجد في اعماقي من لهيب البين والنوى ؟ 
كيف أعبر عن فقدها .. ؟
كيف أتكلم وأدون والكلمات قد أحجمت عني وذهلت عن قلمي وبُهِتتْ ؟ 
أعطتني كل شيء .. وأخذت مني كل شي . 
أعطتني ثم منعت ، وأعطيتها ولم أمنع .. ولازلت أعطيها حتى وإن توارت وابتعدت وسأظل كذلك . 
لا زال ما أعطيتها رهن إشارتها ، وفي يمينها أو يسارها .. تضعه بحسب ما لي عندها ، فإن كنت لديها من أصحاب اليمين فسأكون في يمينها  وإن حكمت علي بالشمال فساظل يمينها وإن لم أكن في يمينها . 

كتبت هذه الكلمات بعدما استغرقت في تأمل وذكريات مرت بي ، فاجتاح أعماقي لهيبها ، واشتعلت في فؤادي شرارتها ، ولفح مشاعري مارجها ، وأحرق أحاسيسي سمومها . 
آه منها ومن هجرها .. ومن ظلمها وصلفها .. 
ليت شعري أين هي .. وما هي أحوالها وماذا حدث لها . 
أأصابها مكروه فنعذرها .. أو جفتنا بظلم فنزيد في الشوق إليها ؟ 
لا مجال للنسيان .. ولا وجود له في قواميس حبها لدي . بل النسيان يذكرني ، والذكريات تلوعني ، والأسى والحزن يعصف بي .
والأيام تمر علي طوالاً .. وقصاراً .. والفصول متعددة فلم تعد أربعة .. بل قد أصبحت ألواناً . 

ربما أنها تقرأ كلماتي هذه .. وربما لا .. ولكنني أكتب وأنا أستشعرها وهي تقرأ .. وأتخيلها وهي تسير بين السطور بناظريها بتأمل .. بل أجدها معي أتصورها بكل أطيافها .. اسمع همسها وهي تقرأ الكلمات بــ( همس ) .. وتعالجها بـــ (مشاعر ) فاجتمعت كل تلك الأحاسيس همس مشاعر غائبة حاضرة .. 
مهما ابتعدتِ فسيظل قلبي يتبعك . وخيالك يزورني .. وأعماقي مأواكِ ومسكنك . 
تحياتي .. تمت باختصار  شديد . 

الثلاثاء، يونيو 22، 2010

الرحيل


كانت روحي تلتقي روحها ، وتأوي إليها ، وتبقى إلى جوارها لتأنس بها ، هناك في فضائها ، في فضاءات الكون الواسعة ، وفي قمم السحاب ، وبين رذاذ الضباب الباردة ، كانت تعيش معها في حبور وسرور . 
عشقتها الروح ، وهواها القلب وحن إليها الجسد ، وصورها العقل وغرستها الذاكرة في أعماق النفس ، حتى صارت الروح والقلب والجسد والعقل والمنطق . 
في عشقها انطلق اللسان وانهمر سيل الكلمات ، وشمر القلم عن ريشته وانبرى يدون معاني حبها ويشرح ما في كوامن النفس لها من غرام وما بالنفس من هيام، حتى ظننت أن فراقاً لن يكون ، وأن غيابها عني ضرب من المستحيل ، وأنه سيأتي يوم ألتقيها روحاً وجسداً وصوتاً أناجيها من قريب ، وأشكو على مرآى ومسمع منها فتسمع أنيني وزفرات حنيني ، وتقرأ صادق عشقي وحبي لها في عيني وتترجمها بيقين وتدرك صدق ما كنت أقول لها عبر الأثير . 
كنت أتمنى أن أقف يوماً أمامها لحظة يسيرة أتأمل وجهها الغائب عني منذ فترة ، بل لم أره مطلقاً ولكن كنت قد صورته في خيالي في أبهى وأجمل صورة يمكن أن يتخيلها عاشق لمحبوبته ، ألمس يدها وأمسح دمعها وأشتكي إليها منها وأقدم لها التضحيات وأعبر لها عن آيات حبي .
أما الآن فقد انطلقت روحي تبحث عن روحها في جنبات الكون ، بعدما شعرت بوحشة مفاجئة ، وفقد غريب ، وشوق متزايد ، وغياب طويل فلم تجدها ولم تعد تسمع همسها ، وصوتها الهادئ يتخلل السحاب ، ويقرع أجراس قلبي كأنه وحي أو إلهام . 
غابت عني الكلمات التي كانت تلهمني إياها ، وانقطع عني نهر المعاني الذي كنت أشرب من نقائه وصفائه . 

نعم لم أعد أراها أو أسمع همسها ، أو أجد ريحها مع نسيم الصبا أو نسمة الوادي ، ولم أعد أجد عبيرها مع نسمة الليل الباردة ، ولم أعد أر صورتها في وجه البدر أو على صفحة القمر ، لم أعد أر خيالها على التلال ، والهضاب ، لم أعد أسمع خشخشة قدميها بين خشاش الأرض تحت الأشجار ، ولا أراها تداعب الأزهار بيديها وتشتمها ، لم اعد أرها تحدق وتمعن النظر إلي كما تصورتها وتخيلتها وكما تمنيتها . 
لم أعد أقرأ كلماتها وما عاد للغوص في بحر معانيها من سبيل ، فقد اختفت وانقطعت عني منذو فترة ، ورمتني بالهجر ، وقتلتني بالجفاء وأهلكتني بالبعاد . 
حتى كلماتي لم تعد تلك الكلمات والمعاني خبا بريقها واختفى لمعانها ، فلم أعد أرغب في شيء بعدها ، حتى  القلم هجرته حتى هذه اللحظة يبدو أنني سامنحه إجازة أبدية وأعفيه من أزيز الكلمات وتركيب العبارات . 
ليت شعري لمه خلي اليوم اعتذر ، ولمه هذا الصد والهجر ؟ 
ترى هل قصرت في حبها ؟ 
هل أخللت بشيء من شروط الحب ؟ 
أتمنى أنها تقرأ كلماتي لتعلم من خلالها معاناتي . 
من أجلها جعلت المالكية مذهبي ، وتركت جميع المذاهب . 
عليك يا ناقض لتلك العهود سلام من وافي عهوده . 
لقد رحلت وتركتني أعوم في بحر عميق من حبها . 
رحلت وتركتني أجري خلف سرابها . وأسهر الليل لعلي أرى في صفحة القمر صورتها . 
أواستنشق مع نسمة الليل عبيرها وشذاها ، إنني كما قالت تلك السيدة الفاضلة .. أنام وما بي من نوم ، وأسهر وما بي من سهر في تناقض عجيب .. أنام لعل سنة من النوم تأتيني على أمل أن يزورني طيفها ، وأسهر  على أمل أن أجد في نسمة الليل عبيرها ورائحتها .

لقد رحلت .. لقد رحلت .. لقد رحلت . ورحل قلبي معها ، وهاجرت سعادتي إلى مهجرها ، فروحي تبحث عن روحها ، وقلبي يسير في ركابها ، وسعادتي تركت كل شيء واستقرت في مهجرها . 
ولكن أبلغوها أنني ما زلت أحبها وسأظل أحبها .. 
أعتذر منك أخي القارئ إن كان التعبير قد خانني ، فالشوق قد أعياني .  

الجمعة، يونيو 18، 2010

( همس ) السراب

تلك هي القصة التي لم أستطع أن أختمها ، وتماديت فيها صفحات عديدة ، بلغت مايقارب الاثنتي عشرة صفحة بوجهين كاملين ولا زال حبلها مسترسلاً بيدي  وقلمي يرتعد بين أصابعي وتئز من ريشته  صفحاتي ، ولم تنطوي سجلاتي لأنني كلما أردت أن أبحث عن خاتمة لها وجدت الآفاق تتسع أمامي والطرقات سالكة ، والكلمات منهمرة علي من ينابيعها ، فتبتعد كلمات الختام وتتوارى حروف الوداع ، وتأتي كلمات أخرى فتجبرني على الاستمرار والاسترسال في التدوين . 

لا أدري هل هو الحديث عن السراب تكون خاتمته كالسراب لا وجود لها فيظل الشارح يتكلم والمدون يفتح صفحات ويطوي أخرى ، والراكض خلفه يجري دون توقف وهو أمامه متوقفاً تارة ومبتعداً  كلما اقترب منه ، فيراه بقيعة أخرى وهو يجري خلفه عله يحظى منه بلمسة فلما وصل إليه لم يجده شيئاً ، فأطلق نظرة الحيرة واليأس فإذا به يراه في أفق آخر . 

أم أن الحديث عما يشبه السراب هو ضرب من الجنون ، أو أمر من المستحيل تتوالى فيه الكلمات وتهفو إليه في محاولة يائسة للإلمام به والإتيان على كل جوانبه ونواحيه ، فما تلبث أن تقبع عاجزة حائرة تحت أسواره ولم تستطع أن تطوي صفحاته أو توقف سيل معانيها المتدفق بقوة واوابلها المنهمر بغزارة فتظل تسير بجانب السور بحثاً عن نهاية للحديث . 

بل هي حقيقة أتت لي من السراب وتبلج عنها وهجه المتبخر في صحراء المستحيل ، فحدثت معجزات لم تحدث إذ تكون من السراب حقيقة ، وولد المستحيل شيئاً ممكنا في التحقيق ، فاختفت أسطورة السراب عندما أصبحت تنجب الملموس وتهادى المستحيل عندما تمخض عن أمر ممكن الحدوث . 
سطعت شمسها منتصف الصحراء ومن قلب ذلك السراب المتوهج ، فأخذت في البزوغ شيئاً فشيئاً حتى علت في كبد السماء ثم استوت فألقت بضيائها على أرضي المتعطشة لدفئها وحرارتها ، فوقعت تلك الأشعة على أرض باردة فتعانقت حرارة الشمس مع برودة الأرض وامتزجت وأخذت حرارة الشمس من البرودة نصيباً وأخذت الأرض من حرارة الشمس نصيباً فتحولت إلى دفء تصاعدت منه أبخرة الضباب فزحفت من القيعان والوديان ونفضت عنها التلال والهضاب فانتشر في السماء وكسى الأرض وتوج قمم الجبال وحجب صفحة الشمس بحلة بيضاء كما تحجب العروس وجهها في ليلة زفافها . 

عجباً لبعض الحوادث عندما تبدأ بشي من الغرابة ، وتفصح عنها  (مشاعر)  الغضب وملامح الاستهجان ، كانت في دائرة الضوء تتلقى وابلاً من الأسئلة ، التي تستهدف جمع الكثير من المعلومات والحصول على شيء مما تكنه بعض النفوس المريضة التي تسعى إلى أن تحظى بسر مكتوم تدلي به على غفلة أو بحسن نية ، وأنا أتابع ذلك وأحقق في تلك الترهات ، وأتبين الأنفس من خلالها حتى علمت الغاية من بعضها بل من أكثرها فدخلت في تلك الدائرة ولكن ليس سائلاً كما يفعل هؤلاء ، فقلت لها كلمتي ( ابتعدي عن التقصي ) لما رأيت من شفافيتها وبراءة سريرتها وسلامة طويتها ، فأخذ الحديث بيننا يكبر وهي ترد على بحالة من الغضب ، لعله من أسلوبي الذي لم يسبق لها أن عرفته ، ومن تلك الدائرة انطلقت حلقاتنا تدور في فلك الحب وتبحث عن مخرج لتنطلق منه إلى آفاق العشق وتخرج إلى فسحات الحياة ، ولكنها لم تكن البداية بالنسبة لي لأنني كنت قد دخلت في ذالك المجتمع وتجولت فيه وتحدثت مع ناسه وأهله ولكنني لم أجد ما يلفت نظري أو ما يشبع ذائقتي الأدبية أو يرقى إلى ما لدي ، ولا أقول هذا من باب التعالي أو التفاخر أو الاحتقار للغير ولكنها الحقيقة التي لابد منها ، وليس لأنهم ليس لديهم معرفة ،ولكن ربما أنهم لم يخلصوا أو يحاولوا الاستفادة مما لديهم بقدر الإمكان ، فلما أو أشكت على الرحيل إذا لاحت لي كلماتها وانطلقت في سماء الإبداع عباراتها فرأيت شيئاً مختلفاً تماماً عما تعودت عليه هناك ، ووجدت أنها بحر زاخر ونهر جار وينبوع عذب ، ومعان أصيلة فريدة ، جعلتني أشعر أنني أعيش في عصور سيادة اللغة والمنطق . 

لم تنته القصة بعد ولكنني أكتفي بهذا القدر الآن وسأحاول الإكمال فيما بعد إن شاء الله تعالى .   


الخميس، يونيو 17، 2010

نعم .. نعم .. أنت هي .

سيدتي : 
لما أبهمتُ الرسالة هكذا ليقيني بأن لديك من الفطنة ما يخبرك بأنكِ أنتِ من أردتُ برسالتي ، فلكِ مني جزيل الشكر على هذا التواصل والمتابعة التي أعدها مفخرة أتفاخر بها وأتباهى وشرف عظيم لي أن أجد مثلك بين صفحاتي ويتابع كلماتي ومدوناتي ، ولا يسعني إلا أن أتقدم لك بجزيل الامتنان وإن كانت كلمات الشكر قاصرة عن أن تفيكِ حقكِ واعجز عن التعبير عما بداخلي من آيات الامتنان .

سيدتي : كنت قد قلت لكِ في معرض تلك الرسالة إنها قد رحلت وتوارت عني لا أدري إلى أين ، ولا أدري عن الأسباب التي جعلتها تفعل ذلك وإن كنت أتردد بين عدة احتمالات إلا أنها غير كافية للجزم بها . 
لم أعد أقرأ لها جديداً منذ فترة  أراها طويلة جداً في نظري في حين قد يراها غيري وجيزة ، ولكن هذا هو شأن القلوب عندما تتقلب بين الأشواق وتتلظى بنار البين وترتوي بحميم الحنين .. ولكن لا زالت روحي بروحها تلتقي في مكان ما في هذا العالم ، وأشعر بها كأنما هي معي وبجانبي ، ولكن لا أدري هل لديها ذات الشعور أم أنها قد تدثرت بدثار النسيان وتوارت بين أوراق الهجر والصدود .وسأظل لها في الانتظار .

سيدتي : 
لاأريد أن أطيل عليك فإنما أحببت أن أؤكد لك بأنكِ أنتِ من خاطبتُ وقد كانت فطنتكِ مسددة وذكاؤكِ لم يخنكِ .. ( ماشاء الله لا قوة إلا بالله ) وأشكر لك هذه المتابعة ووجودكِ في سطوري وأوراقي . وهو شرف عظيم لي . 
لكِ ودي سيدتي وإجلالي . 

عندما يتساءل الإبداع ..

سيدتي :
تسألين عنها لعلك في شوق كبير إلى أن تري تأليفها ، وتراكيب كلماتها البديعة ، التي كانت سبباً في عشقي لها ، قد يقول البعض عن هذا الحب إنه جنون ، أو غريب أو مستحيل أن يحدث حب من خلف الأسوار ، أو أن يتولد من السراب ، وقد ينعت صاحبه بالجنون أو باي صفة أخرى تقلل من شأنه وتعبر عن غرابة ما يفعله بالنسبة لهم . 
أما أنا فأؤمن بأن الحب قد يحدث بأي شكل وطريقة إما بالمشاهدة والتعرض لسهام عينين ما تخطي مراميها ، أو وصف دقيق يسمعه الإنسان فيستحسنه السمع ويلقي به إلى القلب المفتوح فيقع منه في مكانة الحب ، فعندها يعشق ( والأذن تعشق قبل العين أحياناً ) ولكن حبي لم يكن نظرة أو سماعاً ولكنها كلمات متبادلة عبر الأثير كأنها تنبع من مشكاة واحدة فأصبحنا كأننا نلتقي منذ زمن بعيد ، لولا أن الشوق كان حاضراً معنا لقلنا أننا نلتقي ، جراء تلك المساجلات التي انبعثت بها روحينا ثم انبرت في رحبة الفضاء لتصل بيننا في جنباته الواسعة . 

أستطيع يا سيدتي أن أقول إنه الحب عن بعد وتآلف الأرواح وتعارفها رغن المسافات والكواليس التي تقبع خلفها الأجساد وتختفي فيها النوايا إلا أن لغة الحب استطاعت أن تتسلل من خلال الجدر وتجتاز الأسوار وتحلق في الفضاء بحثاً عن الأجساد لتصل بينها وتربط بينها برباط العشق والهيام . 

لا زلت أقول وأنا على ثقة بما أقول : إن الحب قد يكون بالوصف والسماع أو من خلال القراءة والإعجاب ، وكما أن السحر والحسد قد يكون بالسماع والوصف لأن النفس الخبيثة التي تقطن في الأضلاع وتقبع في أرجاء القلوب هي نفس طيارة حاقدة فاسدة تتمنى أن ما تفضل الله به على عباده يزول ويذهب لأنها نفس شيطانية حقودة وإملاءات شيطانية ملؤها الضغينة على بني البشر ، فأصبحت تلك النفس مطية للشياطين تسير عليها إلى خلق الله فتقتلهم خدمة الحسد والشياطين . 

أما الحب فهو كذلك يكون بالسماع والوصف تطير الروح المحبة حاملة معها القلب المحب تحلق في السماء بحثاً عن الروح الأخرى لتلقي به بين ذراعيها وتندمج مع الروح الأخرى فيتكون حباً عذرياً أرضه الفضاء ومسرحه القلوب وأرض ميعاده الأجساد التي تتحرك على الأرض دون أرواحها العاطفية تنتظر عودة الروح بالقلب لتلتقي الأجساد من بعد السراب وتحقق الأحلام من بعد الخيال . 

سيدتي 
إن كنت تسألين عنها وتريدين أن تري منها ما أغرمت به وهمت بها من أجله فأقول لك إنها قد رحلت ، وصدت عني ورمتني من حبها بالأشواق وأحرقتني بنيران الهجر والصدود ، ليس لذنب أذكره ولكنها بعد أن علمتني حبها وعشقها عادت لتعلمني الشوق والحنين وتركت نفسي وحياتي مسرحاً للآهات والذكريات .. 
إنه قدري أن أعشقها .. ولكن لا يهم سأبقى لها ذلك المحب وستبقى في حياتي وذاكرتي إلى الأبد رغم أنني لم ألتقِ بها يوماً ولم أر جمالها الذي أتوقع أنه يفوق جمال حرفها وجزالة معانيها . 

أعتذر منكِ سيدتي على الإطالة ولكنها رسالة أحببت أن أبعثها إليك ولها ايضاً لأنني دائماً أتخيل أنها دائماً حاضرة معي في كل مكان وتقرأ ما أكتب .. لا أدري لماذا ولكنه شعور يراودني .

كذلك لا يفوتني أن أعترف لكِ بإعجابي بما تكتبين وبلغتكِ الجميلة وأسلوبكِ الآسر ، وأنا سعيد بوجودي في صفحاتك وقراءتي لما تدونين .. سأبقى متابع لك على الدوام .
تقبلي شكري ومودتي سيدتي .

الأربعاء، يونيو 16، 2010

أنت أسطورتي


يقولون طائر الرخ أسطورة ، ويقولون عجائب الدنيا السبع ، ويقولون المستحيلات ، ويقولون ويقولون ، ويبالغون ويعتدلون . 

أما أنا فأقول : أنت أسطورتي ، وأنتِ المعجزة التي حيرتني ، والآية التي أتأملها وأستمتع بذلك ، وما بي إشراك ، ولا كفر ، بل أنتِ آية إلهية بالنسبة لي أعجز عن التوقف عن التأمل فيها والتفكر ، وكلما أبحرت في عالم ذكراك أغوص في غياهب سحيقة ، وأعماق لا قعر لها أجوب أنحاءها وكلما أبحرت أجد خضماً هائلاً ، وآفاقاً واسعة ، وآيات أعجز عن تفسيرها فأزداد إعجاباً وإصراراً على الغوص في أعماق أسطورتي . 
أستمتع بالتأمل فيكِ وقراءة سطوركِ والتلذذ بذكركِ وقراءتكِ كل حين ، فأنتِ طائري الجميل صاحب الألوان الزاهية ، والنفس الزكية ، الذي يرفرف بجناحيه ، ويطير بروحه البريئة ، في جو السماء ، يرفرف بريشه الناعم ويتغنى بصوته الشجي على غصنه كل صباح مع انبلاج الفجر وطلوع آية النهار . 
أنت طائري الأسطوري الذي يملأ أفق السماء ، وآفاق نفسي ، أراك في كل زاوية من زوايا الكون ، في عمق السماء ، وآفاق الفضاء ، وتحت لجج الماء . 
أنت الحب الذي سرى في أوصالي وجرى في عروقي وتلونت به حياتي وتشبعت به نفسي ، وتزينت به كلماتي ، وارتفعت به آهاتي ، وزادت أناتي . 
أنت العشق الذي أهيم فيه والتهبت به أعماقي ، لقد ملأت بالحديث عنك أوراقي . 
إن كان هناك جحيم يتلذذ به إنسان  فأنتِ لي ذلك الجحيم ، وإن كانت ناره تلظى فهو جنة عدن أعيش فيها وأرتع في جنباتها وأسكن رباها .
أنت العذاب الذي أسعى إليه ، وأبحث عنه ، فما أشده وما ألذه ، كلما زاد شدة زاد لذة وعذوبة . 
أنت العذاب الذي أسعى إليه وأرتكب الذنوب من أجله أنت غفراني وذنبي ، أنتِ آلامي وطبي ، أنتِ عدلي وظلمي ، أنتِ دائي ودوائي . أنت هجيري وزمهريري ، أنتِ تعبي وراحتي ، وعقلي وجنوني ، ومملكتي وكياني ، أنتِ البسمة التي ترتسم على شفتي ، ويضيء بها جبيني ، أنت كل شيء في حياتي ، وكل ركن من أركان مملكتي ، أنا ملك بحبكِ ، وجبار بجبروت ذلك الحب العتيد ، أنتِ النبض والخافق بين جوانحي .
إنني أهواكِ وأعشقكِ وأهيم بكِ وأعشق التراب الذي تطئيه بقدميكِ ، أعشق الهواء الذي تتنفسيه ، والنسمة التي تأتي من قبل أرضكِ .
إنني أستنشقها بعمق ثم أكتمها في داخلي وأحتجزها في أنفاسي وفي داخلي ثم أتلذذ بها فأجعلها بدلاً من الهواء الذي أستنشقه والزاد الذي آكله . أنتِ كل عبير أستنشقه في كل لحظة وفي أي زمان ومكان وكل نسمة عطرة أجدها أجدكِ فيها وأجدها أنتِ لا محالة . وأجد فيها رائحتكِ وعبيرك .
أنتِ ملهمتي والوحي الذي أنصت إليه في جنح الغياهب فأستوعبه ثم أكتبه آيات حب وعشق قذفها رسولكِ في فؤادي فوعيتها ، فهمت بكِ واستهام بك قلبي ، وشاب فويدي واستهام فؤادي .
أنتِ ( الهمس ) الذي يهتف لي في حلك الدجى ، ويتردد صداه في جنبات الغابة ، وجانب الوادي ، أسمعه بين الأزهار فأهفو إليها وآوي إلى جذورها أتحسسكِ بين أزهارها وأبحث عن شذاكِ بين شذاها ، أتلمسها فأجدكِ في رقتها وأستنشقك في عبيرها ، أنتِ الربيع في صحراء حياتي والواحة الخضراء في قفار نفسي والحديقة الغناء في أرجائي . 
أنتِ كل شيء وكل شيء أنتِ ( أنتِ كل شيء أنتِ كل شيء أنتِ كل شيء )... لعل هذا أبلغ في كلماتي وأفصح في بياني وأعم وأشمل في مقاصدي ومرادي . 
أنتِ أسطورتي . وأنتِ ( مشاعري ) وآمالي .

السبت، يونيو 12، 2010

أنثى غريبة ...



رغم البعد والصد ، رغم الغياب الطويل ، بعد وصال من خلف السحاب ، أقرب ما يكون من السراب ، أو الخيال ، أو حلم عابر في إغفاءة نوم خفيفة ، رغم كل هذا فأنا أشعر بكِ وأشعر بقلبك ينبض بين جوانحي ، جنباً إلى جنب مع قلبي

أسمع همسكِ يخترق جدار الصمتِ ويسري مع الريح السارية ، ويدلف إلى أذني
أسمع صوتكِ يخترق الآفاق ويتقدم نحوي كأنه وحي تلقينيني به حبكِ وتغرسيه في قلبي وأنتِ كالملاكِ غائبة عني في حجاب الفضاء ، أو خلف السراب ، وعلى قمم السحاب ، وبين رذاذ الضباب ، ونسمته اللطيفة العليلة ، رغم أنني لم أسمع صوتكِ يوماً إلا أنني قد نسجت له أنغاماً وألفت له أوتاراً في غاية الروعة والعذوبة ، حتى يبقى في أعماقي كأعذب موسيقى لم تعزفها أنثى على الإطلاق ، فأزج به في تكوينات سمعي لتبقى موسيقاه تعزف أوتار الأحزان المرددة ألحان البعاد والفراق في أروع موسيقى حالمة تشق عتمة الليل رغم هدوئها وتسري مع النسمة وتسقط مع الطل على الأغصان ، أسمعه يلج إلى أذني ويتردد صداه في أعماقي فتسري به الحياة في أوصالي بعد ضمور وجفاف وجفاء

رغم البعد الذي حكمتْ علينا به الأقدار ، والفراق الذي حكمتِ علي به أنتِ إلا أنني أرى خيال شخصكِ كأنكِ واقفة أمامي وعلى مقربة منى بخطوات معدودة لو أمد يدي إليك للمستكِ ، إلا أنكِ كعادتكِ في إجادتكِ لفن التعذيب لا تقتربين مني حتى في الخيال

أراكِ واقفة وأسمعكِ تحدثيني دون أن تلمسيني أو حتى تمنحيني مصافحة ولو بأطراف الأصابع ، وكلما اقتربتُ منكِ خطوة أخطوها نحوكِ بحذر وخفة تعودين القهقري خطوات وأنا أناديكِ وأستجديكِ أن توقفي وانتظريني وامنحيني فرصة أنثر مشاعر الحب أمامكِ وألقي إليكِ بأحاسيس الحب والغرام وأبوح بعذاب طالما قرح أعماقي وجرح مني المآقي ، أناديكِ لتتوقفي حتى تمني على جسدي بلمسة حب أو حتى رحمة وترفق لتلتئم الجراح وتشفى النفس ويرتاح الجسد إلا أنكِ تتقهقرين وبيدكِ سيف من الغرام مصلت يجز ناصيتي ويشرخ فؤادي

 اقتربي مني وامنحيني دفئاً من حرارة أنفاسكِ تنفحين بها على جسدي المتهالك من الجوى والعشق ومن جور بعادكِ وفراقكِ ، لينتعش منه القلب الذي ألقيتِ به في حجرة العناية الفائقة ثم تركتيه ورحلتِ وهو على سرير الآلام والآهات والأحزان في سبات لا أحد يعلم هل سيفيق منها بدونكِ أم أنه سيودع الحياة ويصبح قتيلاً بهواك

رغم بعدكِ عني ورغم الفراق  والهجر الذي تحطمت على صخرته آمالي وتبددت أحلامي إلا أنني أراكِ ترمقيني بعينين كحيلتين ناعستين ملؤهما الحب والشوق ، أراهما تتحدثان إليَّ وتقولان ( أحبكَ ) ، أراهما تذرفان الدمع بسخاء فأمد يدي في الخيال إلى خديكِ لأمسح عنهما دمعتكِ الحبيبة ثم أمسح بها جسدي ليشعر بحرارة الدمع ويحظى بطعم الحب المتدفق من عينيكِ الجميلتين ، وتشفى به علة الشوق ويتمكن الحب من القلب والجسد وتتغذى به الروح وتحيى .

رغم هجركِ وبعادكِ إلا أنني لا زلت أعيش أجمل الأحلام وأغلى الآمال بأنكِ يوماً ستعودين لتضمدي جراح قلبي كما فعلت ذات مرة عندما وجدتيني في شتات وحيرة ، فأعدتِ إلى الأمل وغرستِ في أعماقي حباً لا يهبط عن القمم ولا يرضى بغير السحاب علواً ولا يهفو لغيركِ مهما كان القلب يعيش في شتات والتباس . لا زلت أنتظر عودتكِ لتجبري كسر قلبي وتنعشي نبضه وتعيدي رسم ابتسامة قد محوتيها من شفتي وأزلتِ معالمها واختفت معكِ وصدتْ عني بصدودكِ وهجرتني بهجركِ وابتعدت عني ببعدكِ .
بعدكِ نحل جسمي وجفاني هجوعي ، وعلت مشاعر الحزن على محياي وذهب عني رونق جمال كان يكسو ملامحي وقبعت حبيس غرفتي بالساعات أنتظر عودتكِ وإطلالتكِ المعهودة ، لا أخرج منها إلا لضرورة محلة أرى ساعاتها من أطول الساعات والأوقات فما ألبث أن أعود إليها لأنتظركِ كما ينتظر التائه في عرض الطريق من يدله ويأخذ بيده إلى جادته .

آه ليتكِ تعلمين كم أعشقكِ وكم تشبع جسدي بحبكِ وجرى دمي بهواكِ ، وتسلل إلى نومي خيالكِ وتردد في سمعي همسكِ ، واستقر في ذاكرتي وحيكِ .. وآه منكِ يا غائبة عني وجانية على قلبي ببعدك وصدكِ ، وآه من همسكِ وحرفكِ ، ومعانيكِ ، فحروفكِ وكلماتكِ هلي التي طوتني وكبلتني بسلاسل عشقكِ وغرامكِ ، ( فالسديم والليلك والغنج ، وقبلة التراب ) كلها كلمات يتردد صداها في أعماقي ويهيج أشجاني  ويخلد ذكرياتي ، وتهتز منها نفسي وترتعش أركاني ، وتطويني في حبكِ من جديد ، حقاً أنها قيد أقوى من أغلال الحديد ، تلفني وتطويني إليكِ وتبحر بروحي في فضاء رحب بحثاً عن روحكِ التي قد امتزجت بها واختلطت منهما الدماء والعظام .

آه منكِ وألف آه .. قلتِ عني غريب ، فلم كنت غريب وأنا قد ألفتكِ وألف طيري طيركِ ، وانطلقت روحي تبحث عن روحك في عنان السماء وعرصات الأرض ، وتحت الماء ، تستنشق عبيرك في الأرجاء ، وتبحث عنه في الهواء ، فلستِ غريبة عني فقد ألفتكِ وعشقتكِ وعشقت التراب الذي تطئيه بقدميكِ  ، فلماذا كلما أقتربت منكِ تقصيني ؟ وكلما صارحتكِ تخلقين لي أعذاراً أعلم أنها من وراء قلبكِ ولكنكِ بها تؤثرين غيركِ على نفسكِ ، فلله ما أنتِ ؟ ! وما حبكِ ؟! وأي قلب تحملين بين جوانحكِ ؟! .

تبتعدين فتهيج أشجاني ، وتنبعث أحزاني ، وتقتربين فيزيد حبي لك ويشتد بك غرامي .
أراكِ في أجمل صورة وأبهى حلة ، أراكِ في الأزهار ، على الروابي ، أراكِ تحت ظل الأشجار ، وعلى ضفاف الأنهار ، أراكِ تعانقين السماء وتسيرين مع السحاب والغمام ، تغيرين القمر في السماء ، أراكِ في غسق الدجى ، ومع إشراقة الشمس وفي الأصيل ، أراك في حروفي وأقرأكِ في كلماتي ، وأجدكِ بين سطوري وأوراقي ، أجدكِ تزينين مذكراتي ، أراكِ في كل مكان فقد ملأتِ علي حياتي  .
كم أشتاق إليكِ أيتها الأنثى الغريبة .    

الأربعاء، يونيو 09، 2010

صوت الشوق .

كم أشتاق إليكِ .
وأشتاق إلى أن أذرف دموع الشوق على كتفكِ .أشتاق إلى قراءة حروفكِ ، والإبحار في  معانيكِ .أشتاق إلى كفكِ الطاهرة أن تمسح الدموع التي طالما أهدرتها وذرفتها وأحرقتني حرارتها .
أشتاق إلى همسك . وإلى حرارة أنفاسك .أشتاق إلى نظرة طويلة إلى وجهكِ الجميل ، أستغرق في تأمله ،  في كل لحظاتها أمر على كل جمرة شوق تشتعل في جوفي فأطفئها بالنظر الطويل إلى بدركِ المشرق من بين خصلات شعرك الأسود الناعم  ، كأنه القمر عندمايشق حجاب الغيوم وهي تسير من حوله . 

الاثنين، يونيو 07، 2010

لماذا الهجر ( صوت الحزن )


بعد أن تعلق بك القلب ، وطارت الروح في عنان السماء تبحث عن روحكِ التي هي الجزء الآخر منها ، والكيان القائم لها ، والدولة النافذة الأحكام وصاحبة السلطة والتشريع وسن القوانين ، فهي مكملة لها ، وكيان قد اندمجت في تكويناته ، وتحت سلطته ، وتاقت النفس وتطلعت إلى رتبة تتوج بها ذلك الحب وتزينه بدرره ولآلئه . 

لقد كنتِ صورة من أبهى وأجمل الصور التي رسمتها لكِ في ذاكرتي ، وأثبتها العقل في المخيلة ، ثم أقام لها نُصباً في غياهب الخيال ، أزورها في كل إغفاءة أحظى بها تكرماً من النوم المهاجر عني منذو أحببتكِ ، فقد هجرني ولم يعد يأتيني إلا تكلفاً في إغفاءة يسيرة يهدي إلي فيها زيارة سريعة إلى تمثالكِ المنصوب في عالمي الفكري والخيالي . ولكنه سرعان ما يغادرني ويحرمني لذة تأملكِ خيالاً ملائكياً بهية الطلعة ، جميلة الصورة ، كأنما اقطعت لكِ عندما صورتها جزءاً من جمال يوسف - عليه السلام - فأهيم بكِ من خلال الإبداع التصويري الباطن، فلم ارَ مثلك في الحقيقة ناهيكِ عن الخيال . 

في الفضاء ، بين الغيوم وفوق أعناق السحاب ، تطير روحي ، وترفرف بجناحيها تهفو إلى روحكِ التي تظن أنها هناك ،  تعانق السماء من فوق قمم السحاب ، تسير معها أينما سارت ، فتأوي إليها وتهفو ، وتأرز كما يأرز الطير إلى عشه عند المساء بعد عناء يوم غدا فيه خميصاً . فتهفو إليها لأن الأجساد خلف الأسوار قابعة ، تفصلها عن بعضها الفواصل الزمنية ، والحدود الجغرافية ، والمفاوز والقفار ، وبُعد الشُّقة ورهبة الطرق الطويلة ، فاستودعتْ الروحُ الجسدَ إلى حرارتها كي يبقى دافئاً حتى تعود من لذة اللقاء الفضائي . فتطفئ شوقاً أضرم النار في الحنايا لهيباً . 

لماذا الهجر بعدما هامت الروح في جنبات الكون باحثة عن روحكِ الزكية التي نادتها وهمست لها من خلف الغمام ، فهرعت إليها مسرعة كأنما نسلت من جدثها ونوديت إلى موقفها على أرض محشرها . 

هجرتيني بعدما أسقيتيني حبكِ وجرعتينيه جرعاً جرعاً ، من كأسكِ العذب ونهر حبكِ الصافي ،  بعدما علمتيني مفردات الحب ، وكلمات الغرام ، وصرفتي قلمي عن الكتابة في المفردات الأخرى ،  فلا أكتب إلا في الحب ولا أتحدث إلا عن العشق ومشاعر العاشقين ، فجعلت من حبكِ اتجاهاً أصوغ فيه كلماتي ومذهباً اسبك به قوانيني ودستوري ، وأقيم عليه شعار الحب وأحكامه . 
جعلتيني أنام على وحي كلماتكِ وشذى حروفكِ وصدى همسكِ ، وتخيل توهج اسمكِ في غياهب خيالي كأنه كوكب دري يتوهج في عتمة الليل في عمق السماء . 
لماذا الهجر بعدما ألف طيري طيركِ ، وهفا قلبي نحوكِ ، وعشقتُ حتى التربة التي تسيرين عليها ، والأوهام التي أتخيلكِ بها والأحلام التي أراكِ فيها خيالاً من نسج خيالي.
 ولكن اهجري كما شئتِ بسيظل قلبي يتبعكِ بين الغيوم ، وفوق السحاب ، وفي أعماق السماء ، وجنبات الكون ، وردهات الزمن . 

الجمعة، يونيو 04، 2010

نقوش على جدار القلب




القلب كأنه جدار مرتفع وطويل ، كأنه قطعة من الزجاج ، أو كالصفيحة الصقيلة التي تتسخ لأقل لمسة ـ أو تدنيس . يولد الإنسان وجدران قلبه غاية في الصفاء والبريق فيعيش به بهذه الصفة والنقاء فترة يسيرة من عمره ، مرحلة الطفولة والصبا إلى أن يبدأ قلبه في التوجه نحو مشرقه للخروج من بحور الظل التي كان يعيش فيها ، كما تشرق الشمس بصفحة صافية مشعة ضياء ، في يوم ملبد بالغيوم فتارة تأتي وتارة تذهب وهي بينها تتجلى مرة وتتوارى في الغيوم مرة أخرى . وهكذا القلب عندما يتدرج الإنسان في عمره فهو يتجه إلى ساحة معترك الحياة ويخرج إلى سماء ملبدة بغيوم الأحداث وترهات الزمن ، فتأخذ تلك الصفحة في التغير شيئاً فشيئاً وتذهب نضارتها ويتعكر صفاؤها وتعتم صفحاته الناصعة حيث تتوالى عليها الأحداث وتعبث في بريقها ، فتتكون تلك احداث كأنها نقوش على ذلك الجدار يسير الناس على جانبيه ومن يمر بقربه لا بد أن يلمسه ويترك عليه بصمته ، فتبقى نقشاً على صفحته الناصعة الجميلة ، ومنهم من يرتكز عليه ، ومنهم من يستند إليه ويسير مستعيناً به حتى ينفذ من الطرف الآخر ، فتكون بصمته على امتداده بقعة سوداء تشوه نضارته وتزيل بريقه ، وكل من اقترب منه نقش عليه بصمة أو رسمة ، أو كتابات وخربشات لا تعد اللعب والعبث ، فتبقى تلك النقوش حية بحياة من نقشها وهو يجددها وإذا تخلى عن تجديدها تبدأ في التضاؤل والبهوت حتى تضعف ثم تنطبع على على جدار القلب كنقش قديم ولم يختفي تماماً ، وتبقى آثاره تشوه تلك الصفحة الناصعة مدى الحياة ، ومصدر آلام وأحزان ومتاعب للإنسان ، وذكريات إما جميلة أو حزينة . ومن يحب لأول مرة فإن الحب يدخل إلى القلب وهو واحة خضراء جميلة مقصورة على تغريد الأطيار ، وانسياب الأنهار ، وتفتح الأزهار التي تترنح مع النسمة وهبوب الرياح . ليس فيها داع ولا مجيب بينما هي ليست صحراء قاحلة ولا أرض مقفرة ، ولا عروش خاوية ، ففيها السعد والسرور والراحة والاطمئنان والسلا وروح صبية بريئة ندية ، تكاد تقلع من جذلها إلى عنان السماء ، حتى يأتي الشخص الموعود فيكسر أقفالها ويكتسح جناتها فيلتقي مع رباها على أمر قد قدر ، فيصبح صاحب السهم المعلى ويحظى منها بما تمنى ، فيوقع كلمة الحب على جدار القلب وينقشه نقشاً محكما يثبت على صفحته إلى الأبد ، لا يحول ولا يزول ، فيعيش ما شاء بين تلك الخمائل والربى ، يأسر القلب ويصفده بسلاسل الحب والغرام . فيمكث فيه فإن كتب له أن يتوج ذلك الحب بتاج قد كتب عليه كلمة ( القداسة ) ويعزز تلك الجنة ويربيها ويسقيها . وإن كان غير ذلك فإنه سيغادرها باي طريقة للمغادرة ، فإما أن تكون مغادرته نكراناً وجحوداً وخيانة وظلماً فإنه سيترك خلفه دماراً شاملاً وعدواناً سافراً ، ويحطم تلك الجنائن ، يقطف أزهارها ليس ليشتمها ويضمها ويستنشق عبيرها ، بل ليرميها على الأرض ثم يدوسها بقدميه فيحطمها ويفسدها فينتشر شذاها في ارجاء النفس برائحة الدم وآثار الغدر والخيانة ، فيخرج مذؤماً مأثوماً . أما إذا كان خروجه خارجاً عن إرادته أو رغماً عنه فإنه سيترك أيضاً نقوشه على تلك الأبنية والجدر ولكنها نقوش جميلة كريمة ، وإن كان فيها بهوت الحزن والأسى ولكنها تبقى ذكرى جميلة . لم يقطف الأزهار ليدوسها تحت قدميه ، بل يشمها وهي واقفة شامخة على أغصان أشجارها .إلا أنها تعاني الذبول والعطش إذا لم يعد نهر الحب يجري تحتها ويتدفق ليرويها ، وتبقى الذكرى جميلة والحنين لها يحطم الضلوع ويهدم الكيان . ومن هنا يكون القلب مرهف الحس هائماً مشتتاً حائراً يبحث عما فقده في لحظة في خارج الحسبان ...

الأربعاء، يونيو 02، 2010

صوت العقاب








المكافأة ، العقاب ، ضدان أحدهما نور والآخر ظلام ، صفحة بيضاء ، وأخرى سوداء ، صورة جميلة وأخرى قبيحة ، إذا حصلنا على أحدهما تبادر إلينا منها الجانب الآخر ، المقابل أو الضد ، فإذا كان ما حصلنا عليه مكافأة فرحنا وارتسمت على محيانا ابتسامة عريضة ملؤها نشوة الانتصار ، وبرقت من أعيننا بارقة أمل خفيفة فيها الزهو والخيلاء ، فأصبحت حافزاً لنا يدفعنا نحو المزيد ، خصوصاً إذا حصلنا عليها نتيجة عمل جبار أو إخلاص في عمل ، فهي مصدر فرحة نجدها في أعماقنا ترفرف لها دواخلنا ويهتز القلب طرباً وجذلا ، أما إذا حصلنا عليها نتيجة تملق وتصنع فإن تأنيبها في داخلنا لا يكاد يدعنا نخرج ونزفر مشاعر الفرح فينا وتقريع ضميرنا لذاتنا يسلبنا معناها ومذاقها ويخفي بريقها عن أعيننا ومحيانا ، وشعورنا بالذنب أكبر وإن اغتصبنا سمة الفرح والنشوة ، حتى الناس من حولنا نشعر أنهم يرون ما بداخلنا من عدم ارتياح وإن أبدوا مباركاتهم ومجاملاتهم ، لأن من يتحدث في داخلنا هو الضمير وإن كبتناه ووأدناه رغماً عنه ، فنشعر بالندم وعدم الارتياح لأننا حصلنا على ما ليس لنا وتصنعنا طبعاً ليس طبعنا فصرنا نخشى عاقبة الوقوع من فوق صهوة جواد الصدق .

أما إذا تعاقبنا وتحسبنا على أمر أو خطأ ارتكبناه فإن علامات الأسى والحزن والامتعاض تتبلور في أعماقنا وتصير كأنها تخمة تقتلنا ، تظهر آثارها على صفحة وجوهنا سحابة سوداء ولون امتقع وتخثر تحت جلدة الوجه ، فظهرت تلك الصفحة السوداء على ملامحنا ، وسرت الحرارة في أجسادنا ، وتبللت أجسادنا بعرق الخجل والفشل والندم على ما اقترفنا من عمل وخارت قوانا مخافة أن نفقد مرتبنا وتنهزم شخصيتنا وتهتز صورتنا أمام من نتمنى أن نبقى عنده في مقام سام ومكان عال فنبحث عن الأعذار ونلتمسها هنا وهناك ، ونبحث عنها في أعماق الأرض وآفاق السماء ورحبة الفضاء .

وكل هذا يكون هيناً وأمراً ثانوياً أمام عقاب الحبيب لمحبه بعدما خلع قلبه وشق عنه صدره وأخرجه وقذفه إليه وجعله هدية خالصة له ، ويسترعيه عنده ، ويصرف خلفه مشاعره وأحاسيسه ، ويتوجه بكيانه وروحه ويعشقه عشقاً يكاد يهيم منه في الوديان ويصعد من جبروته القمم والجبال ويجوب من فرطه الفيافي والقفار ، يتراءى له في منامه ويتخيله في يقظته ، كيف يمشي وكيف يجلس ، وكيف يأكل ويشرب ، وكيف يتكلم ويصمت ، وكيف ينام ويستيقظ ، يستشعره في كل صغيرة وكبيرة نتيجة الاندماج اللامتناهي وتبلورت الروح في روحه .

فلم هذا العقاب الذي أطلقتيه علي والحكم الذي نفذتيه بحقي ؟ وأنت تعلمين يقيناً كيف أحبك ، وأعشقك ، وتؤمنين بوجودي في حياتك وفي نفسك وأعماقك وتعلمين ما أنا عليه من هيام بك ، وكيف أسعى للتقرب منك بشتى الطرق والوسائل وأنت تبتعدين عني رغم إيمانك بأنني أعشقك وأتوق إلى أرضك ، وأهيم في لغتك وحرفك ومتيم بمعانيك ولفظك .

انطلقت بحرفي وكلمتي فأشرقتْ في سماء متشققة ، وانتشرت في آفاق ضيقة ، وتناثرت في ساحات متهالكة ، وتلقتها عقول مغلقة ، وتذوقتها ألسن منافقة ، ونفوس متسلقة ، فلم تعرها اهتماماً ولم تلق لها بالاً ، وكأنما كانت عليها نكبة ووبالاً وأثقالاً ، فكنتِ أنت الأرض المباركة الطيبة التي استقبلت معانيَّ وحروفي وعرفت قيمتها وأعلت مكانتها ، والشجرة الباسقة التي ارتوت من معينها وتسامت أغصانها في سماء الكلمة والمعنى ، والسماء الواسعة التي حلقت في جوها كلماتي تحاكيكِ وتنادي خيالك وروحكِ القابعة في أنحائها ، فأشرقت شمسك في سمائي وأضاءت قلبي وكياني ، حتى صرت أتبعك وأنتظر قدومك بفارغ صبر ، حتى أرى وهجكِ واسمك يزين الساحات المهترئة ، فتثوب نفسي وتقر فأظل ألاحقكِ بنظري حتى تعودي أدراجك وفي قلبي لك ومنكِ لهيب وهيام .

وانبت كلماتي تتحدث عنك وتنطلق من أعماقي على ظاهرك وساحتك وتجيش حول حدودك وأطراف مملكتكِ ، فانطلقت لها جيوش كلماتكِ فتبادلت معها سجالاً وحديثاً حتى اندمجت مع بعضها فاندمجت معها روحينا فاشتد الحوار وعذُب السجال حتى تنحيت عن الساحة ورفعت قبعتي إجلالاً لحرفك ، وتبجيلا لمعانيك ، فأصبحت مغرماً بك تبعاً لحرفك ، وأعشق حرفك كما أعشقك ، وابحث عنك فوق كل أرض وتحت كل سماء ، بعدما تواريتِ حتى كادت نفسي أن تزهق ، ثم غادرت الساحة بعدك .

فلم كل هذا العقاب بربك ؟ وهل ذنبي أنني أحببتك ؟ فإن كان هذا ذنبي فسأظل أذنب وأذنب ولن أتوب عن هذا الذنب .


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More