الثلاثاء، فبراير 19، 2013

عندما تكون البداية أمنية .. تمازج بين البداية والنهاية


ذلك الوادي الأخضر ، يعلو فيه ضجيج الطيور بتغاريدها ، تبعث الطمأنينة والسعادة
في النفس فلا يملك السامع لها إلا أن يتوقف ليشنف مسامعه بتلك الألحان الشجية
والتغاريد العذبة ، التي تتردد على كل غصن فيهتز لها طرباً .
عند الصباح الباكر تصعد إليه ركام الضباب زحفاً تعانق الثرى حتى يكتظ بها الوادي كأنما نفش
فيه العهن ، تمتزج بين جنباته ألوان الطبيعة الخضراء ، مع لون الضباب الناصع ، فتتعانقا بحميمية
عناق اللقاء بعد الفراق الطويل .
تتغطى الشمس في طيات الغمام كتغطية وجه العروس ليلة عرسها ، وإن تبدت فبخجل ووجل حتى
لا تفسد ذلك العناق الحميم بين الضباب والأغصان الندية ، والأطيار الجذلة ، ورذاذ الغمام يغسل
الأبدان من رجس الأحزان ووعثاء الانتظار ..

لا تستغربي إن عشقت الضباب فقد سطرت بذراته قصة حبكِ الخالد .
وحفظت على متنه ذكريات نقشتها قصتها في أحشاء الوادي ، واستوحيتها
من صوت عصفور تردد صداه في أحضان تلك الجنبات ، وكتبتها على جسدي
بقطرات ندى ليل هادئ تسلل إلى غيهبه نور بدر كأن صفحته عكست نور جبينك
الوضاء .

أنسيتي عشاً من الورود بنيناه في الوادي ؟ أم قد نسيتي ساعة اللقاء التي رأينا فيها
ولادة عمر جديد .. هل نسيتي كل شيء ؟
لله ما أنتِ ؟ عندما تنعمي بنسيان ذاك الحب الذي أصبح في الهوى مفقود .

حسناً فلتنسي كما شئتي .. ولكن مني علي بشيء من ذلك النسيان ..
علميني كيف فعلتي .. كيف نسيتي .. وكيف تجاهلتي كل ذلك العمر الذي
وهبته لكِ من عمري .. منحتك إياه .. علميني كيف أنساكِ ولو لحظة واحدة
أريد أن أكتب يوماً عن السعادة ولو سطراً واحداً ، أريد أن أتكلم بكلماتها وأنثر
حروفها ، وأملأ قلمي بمداد كلماتها ، ثم أنثره على صفحات خلت منها ..
صفحات انطوت على كلمات الحزن ، والحنين ، والأنين ، واحترقت بجمر البعاد .

اكتبي لي الكلمة الأولى من معنى السعادة على أول السطر ، ثم امسحي ما بعدها
من الكلمات التي قد كتبتها من قبل لأنها تخلو من السعادة والفرح ، وعلميني كيف أكمل
قصتي السعيدة قبل أن أعرفكِ .

كلما أخذت قلمي ونشرت أمامي أوراقي البيضاء ، أقرع بالقلم علي شفتي ، وفي طرف جبيني
ثم أستغرق في التفكير والتفتيش في قاموس كلماتي عن السعادة وكيف أكتب عنها فلم أجد منها شيء
ثم يهبط قلمي على الأوراق ليكتب شيئاً آخر طالما ألفته وعرفته .. فأعود من حيث بدأت .

بحثت عن اللحظات الجميلة فوجدتها تنتهي ، وبحثت عن اللحظات المرة فوجدتها لا تنتهي بل
هي بداية لنهاية لحظات جميلة ، وعلمت أن لحظات الفرح والسعادة ستنتهي يوماً ، ونهايتها هي
بداية لحظة مرة حزينة ، فيراودني أمل أحياناً بأنه ستكون هناك لحظة سعيدة فسرعان ما يخبو
ذلك الأمل عندما أتذكر بأن للسعادة نهاية ، فيخبو الأمل من نفسي .

ولكنني استغرقت في التفكير ملياً ، وزاوجت بين اللحظات الجميلة ، والحزينة ومزجتها مع بعضها
ووجدت أن السعادة ستكون عند اجتماع البداية والنهاية ، وتلاحمهما مع بعضهما .
وليس كل البدايات خاضعة للتجربة ، ولا تقبلها مطلقاً لأن التجربة فيها تكون خيانة وكذب وخداع
من أحد القطبين الذي بدأها بتجربة ، وهو أشبه بمن يسير في طريقين مختلفين في كل لحظة له وجهة
هو موليها ، لا مبدأ عنده ولا قواعد يلتزم بها .
عندما تكون البداية أمنية فهي التي لا تخضع للتجارب ولا اليقين الذي يفسده الشك ، ولا خبط العشواء
إن تم له مايريد فهو ذاك وإن لم يتم له لا يؤثر عليه .
يجب أن تمتزج البدايات والنهايات وتذوب في بعضها وتنصهر بتفاعلاتها حتى تشكل كياناً واحداً تتغلب
فيه اللحظات الجميلة ، وتطغى السعادة عندما يتحقق المراد وويلتقي طرفا الدائرة . ثم يذوبان سوياً
وينتهيان سوياً فعند ذلك تكون السعادة قد دامت وانتهت حياة الطرفان معاً دون أن يشعر أي منهما
بالفراغ من الآخر .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More