الأربعاء، سبتمبر 29، 2010

الظلام في ضياء البدر



السير في دجى الليل آمن ، والبحث في جنح الغياهب مجد ، سيما إذا كانت الدروب والمسالك واضحة ومعلومة في الخيال ، لدى الباحث وحاضرة في فكره وساكنة في أعماقه ، والهدف واضح يشده الإيمان والاعتقاد به ، يستضي في حلك ليلها ببوارق الأمل ونور التفاؤل وضياء الصدق والأحاسيس ، ورهف المشاعر . 
فعندما نبحث في عالم المجهول ونؤمن بأننا نسير نحو هدف موجود وسنصل في النهاية إلى نتيجة مرضية ، قد تختلف ماهيتها باختلاف ما في أعماقنا من تصور وإيمان ، وبحسب الأمل الذي كنا نرجوه وننشده ، وكلما زاد الأمل زادت قوة إيماننا وكلما لاحت بوارقه وأضاء سنها ظلام نفوسنا ، وغياهب أعماقنا ، وعتمة مخيلتنا وفكرنا نجد ونكثف البحث مع الإصرار والمراهنة على النتائج بأننا سنجد ولابد من ذلك ، فنتابع السير في تلك الومضات المتقطعة الآتية والذاهبة ، وننتهز الفرصة كلما لاحت وبرقت . 

وعندما يكون الضياء ساطعاً والدروب واضحة جلية لنا فننظر إليها في وضح الضياء ، بأبعادها ، وتعرجاتها ، واستواءاتها ، ومرتفعاتها ومنحدراتها وعقباتها وسهلها ، وتتبين لنا كيفيتها ، ومعالمها ، فتختلج في داخلنا هواجسنا ، ومشاعرنا ، وتختلط خيوط معالمها وتتشابك فتبدو لنا كأنها شباك معقد متداخل ، أو كخصلة شعر مرمية على الأرض قد تداخلت في بعضها ، وتنبعث وتهيج في دوخلنا عدة عوامل وأفكار ، بين أمل ، ويأس ، وفرح وحزن ، وصراع مع النفس وسجال ، وتارة يطغى الإحباط ويسود اليأس ويخبو الأمل وتضعف الاحتمالات وتسوء ، ويهيمن الوجل والمخاوف ، لأننا رأينا الفراغ والمساحة التي أمامنا ومن خلفها مساحة شاسعة ، وآفاق واسعة ، نجهل مافيها وتقطع علينا مخاوفنا من المجهول الواضح حبائل الأمل . وتعزز فينا شعور اليأس والوجل ، وتشعرنا بأننا سنتيه في عراء الحياة ، وصحراء المجهول ، وظلام الفضاء السحيق ، وسنضيع في تلك المساحة المجهولة الواسعة . وربما انثنينا عن البحث وجأرنا إلى منطلقنا وعدنا حيث بدأنا . 

كانت الروح قد عادت إلى رحابة الفضاء ، ونفضت جناحيها ورفرفت بهما نحو العلو لا تكسرهما ولا تخفق بهما وانطلقت إلى مركزها في ذلك الكون الممتد ، الحافل بالأشياء الكثيرة ، : الكواكب ، النجوم ، الأجرام السماوية ، ذرات الغبار ، وأجزاء المادة ، والأرواح الخالدة هناك ، التي تعرج في ابراج السماء ، والكلمات الساطعة المحلقة كالطير في عمق الفضاء ، الصاعدة إلى أماكنها في مقراتها ومأواها ، فانطلقت تبحث عمن كان قد زاد الأمل في لقياه ووجوده قبل سطوع البدر ، وإطلالته ، وظلت تبحث بين تلك الشياء كلها عن هدفها المنشود وأملها الكبير ، لعلها تجده بعدما كان قد اختفى في فترة من الزمن لأسبابه . وهي ستعرفه حتماً من بين تلك الأشياء ، حتى وإن لم تره من قبل ، لأن بين نفسينا حديث روحي، وتواصل أثيري ، ومشاعر متبادلة رغم المسافات والفواصل الزمنية والجغرافية ، رغم ذلك الزحام ، وسعة الفضاء وعمقه ، وهي تستند على أسوار المشاعر والأحاسيس ، وتستضيء ببوارق الأمل ووهج التفاؤل

كانت قد لاحت بارقة أمل في الأفق في بادئ الأمر وانشق طريق من وهج الأمل وانفلق طريق الأمل المضيء فسارت فيه على عجل في بحث مستمر ، تسير ببطء وتأمل ، وحثيثاً ووجل ، تارة تركض وتارة ترمل ، وتارة تتوقف لتتدبر وتقرر ، وتصغي لتنصت ، وكان الأمل قد بدأ يكبر حتى كاد أن يثمر . 

فلما طلع البدر وشع بنوره الجميل على الكون وجاب الفضاء في أبهته ووقاره ، وسار بهدوء مبدداً كل الظلام قبل أن يظهر ( البدر ) فانكشفت بظهوره الطرقات وبانت السبل ، واختفى السناء الذي كان يضيء دروب الأمل وميضاً ، واتضحت رقعة البحث ، فإذا بها كانت مساحة شاسعة تبددت في عرصاتها الآمال ، وهبطت إلى قيعانها المنى والأحلام ، وتقطعت السبل ، وعادت الروح أدراجها وقد ضاق الفضاء وأظلم الكون من جديد بطلوع بظهور البدر ، وانخسف البدر بظهور بدر . 
فياليت البدر لم يطلع وليت الظلام بقي حالكاً لأبحث فيه مع فسحة الأمل .

الاثنين، سبتمبر 27، 2010

قد الحروف

الأربعاء، سبتمبر 15، 2010

لحن الذكريات


رجل وادي القمر 
الملك الضليل .
شمس لا تغيب .
مطلع الشمس 

أنا ذاك وذاك وذاك وذاك ... 
ماذا تعني كل هذه الأسماء بالنسبة لي ، وبالنسبة لها ؟ 
لكل منها معنى خاص ، وحياة خاصة عشتها ولا زلت أعيشها ، فاحتفظت بهذه السماء كجزء من كياني الذي لا ينفصل عني حتى الاندراج في حياة البرزخ الطويلة . 
ولكل منها طابع خاص وذكرى جميلة أصبو إليها كلما لفظت اسماً منها ، فتتقلب حياتي في ربوع ذلك الاسم ، وتتبوأ منه المكانة العليا ، وتهيم أفكاري وتغيب ذاكرتي تحت أستاره ، وتعوم فوق غيومه ، وتسير في السماء كالسحاب ، وتعلو في الفضاء كالكواكب الدرية ، وتحلق نفسي في العنان .. بين الغيوم ، وتحت رذاذ السحاب ، تسري مع النجوم السارية ، وتسير مع الكواكب السيارة .

يا للذكريات ويا لجمالها ويالها من شجرة مثمرة ، وجنات يانعة ، وحدائق وارفة ..
حروف أقرأها تمر علي أحياناً لها وقع يؤثر في نفسي ، وتغلغل صداها إلى أعماقي ، كأنني أعرفها ، رناتها وأوزانها ، وألفاظها ، وتراكيبها كأنما هي تنطلق من أعماقي ، ويتلفظ بها لساني فضلاً عن قراءتها ، أنكر وأعرف ، ثم تساورني الشكوك ، ولا اريد أن أجزم ولا أقطع ، ولا أنكر فتبقى نفسي معلقة بخيوط تلك الكلمات ، تتدرج بينها وتتخلل حروفها ، تكاد تذوب تارة ، وتقاوم تارة أخرى ، فلا أمل تام النور لأسير في ضيائه ، ولا يأس حالك الظلام فأتوقف على أبوابه ، ولكن في النفس بصيص ، وفي الفؤاد خفوق .. 
( ويلي من الهجر كم أبلى جسمي وأبقى الدموع تجري ) .. 
نفسي بين جوانحي أقاومها ، وتهاجمني ، وأكبحها فتقهرني ، وأمنعها فتعصيني ، تريد أن تعاود الطيران من جديد ، لتبحر في الفضاء ، وتعود إلى تلك النقطة التي طالما استقرت عندها ، وعاشت في مركزها فترة من الزمن ، لقد تاقت إليها ، فتحركت بعدما كانت قد سكنت وعادت إلى أضلعي لا يأس ولا أمل ، فبدأت تدب فيها الحياة لما وجدت بصيص أمل وحركتها الحروف وهاجت بها الشجون .. 
فيا تلك أفصحي وأشعلي قناديل الوضوح على دربك لتسيري في الضياء ، وتبصري طريقك فلا تحطمي نفساً وأنت لا تشعري ، فليس نفسي بنملة سليمان التي كان لها مسكن فعندما أحدق بها الخطر نادت وأمرت وحذرت وأعذرت ، أما نفسي فلا مسكن لها إلا تيهاً في الفضاء تسير خلف روحك وبها تلتقي ، وعندما فقدتها في لحظة من الزمن هبطت إلى الأرض كالنملة التي شاخت فلم تعد أجنحتها تحملها فتحلق في السماء وتنجو من الأقدام أو أفواه الطيور . 
على عجل كتبت هذه الحروف دون ترتيب أو سابق إنذار إلا عندما هبت النسمة فعزفت على أوتار مجروحة متهتكة في أعماقي فتجاوبت معها النفس بترديد الالحان ، وانساقت خلف الكلمات وانطلقت في الأرجاء تبحث عن العبارات .. 

أنا ذاك وذاك وذاك وذاك ... فقالت : علمت وعلمت وعلمت .. فتركت واحدة ربما هي التي فيها روحي . 

الأحد، سبتمبر 12، 2010

لكل من يدخل



شهر الخير مضى ، وقد صقل نفوسنا ، وتطهرنا به من دنس الغل والغش والبخل والشح ، وصهر خبث النفس وأزال عنها وعثاءها ، فتقربنا فيه إلى الله تعالى ، ثلاثون يوماً من جهاد النفس وكبح جماحها عن كل الملذات ، ثم انقضت تلك الثلاثون ونحن نمد يد الضراعة إلى الله تعالى بأن نكون ممن دخلوا في رحمة أوله ، ومغفرة وسطه والعتق من النار في آخره ، ونسأله تعالى أن يبقينا إلى قابل لننعم بفضائل شهر الخير ومثله رمضانات كثيرة . 
وانصرم الشهر ، وأقبل الفرح والأنس والبشر ، وحل العيد وفرح الناس بصوم الشهر وإدراك العيد ، ولبس الجديد . 

وبهذه المناسبة الكريمة واللحظات السعيدة ، أزف إلى كل من يدخل هذه المدونة ويقرأ سطوري هذه أجمل التهاني ، والتبريك بالعيد السعيد ، وأسأل الله تعالى أن يمتعه بالصحة والعافية ، وينسأ له في عمره ، ويوسع في رزقه ، ويجعل ثوب السعد والبشر ملبسه ، والبسمة ورود أساريره ، والبهجة سندس قلبه وخمائل حياته . 
نعم إليك أخي / أختي القارئ / القارئة ، أزف إليك هذه التهاني وجعله الله عليك عيد خير وبركه ، وأدام أفراحك فيه وما بعده وأعاده الله عليك وعلينا وعلى الأمتين الإسلامية والعربية أعواماً عديدة ومكن لنا ورفع راية الحق وأيد الإسلام وأهله . 

وتقبل فائق احترامي وشكري وامتناني على تواجدك بين سطوري المتواضعة . وإنارتك لهذه الصفحات بضياء قدومك .
وكل عام وأنتم بخير . 



الأربعاء، سبتمبر 01، 2010

رسم الخيال


قد نأوي إلى الفراش ، أو نتوسد عضد ، في لحظة راحة للنفس من عناء يوم شاق ، أو عمل مضنٍ ، أو تتوارى عقولنا في أستار نوم عميق ، فنخلد إلى الراحة والطمأنينة ، وفي تلك الأثناء نطلق العنان لمخيلتنا وذاكرتنا فتبحر في عالمها الخاص ، وتأخذ معها أرواحنا وتخيلاتنا ، فتارة تتوارى في حجب الماضي السحيق ، وتارة تعبر جسور الخيال العتيق ، وعالم الرسم الخيالي البديع الذي لا يستطيع أحد أن يتكهن به سوى تلك الذاكرة التي تدور بين عظام جمجمة الرأس كما نتصور ذلك ، وإن كنت أؤمن بأنها روح تنطلق في عالم الخيال كأنها هواء أو سحابة ثقيلة محملة بالغيث والبرد تسير ببطء شديد في عنان السماء ، فتجوب تلك الذاكرة عالمنا الخيالي ، فننقاد خلفها أو نسير معها وهي تلقي إلينا بحدود الصور ومعالم الكيفية التي يجب أن نرسم فيها لوحاتنا الخيالية الفنية ، التي نضعها لأشخاص قد نعرفهم أو لا نعرفهم ، فنبدأ نرسم لهم لوحات فنية خيالية كما نشاء ، ونبهرجها ونرصعها بشتى أنواع الفسيفساء الجمالية ، الخيالية ، وخطوط الجمال والإبداع اللامتناهي ، حتى تبدو تلك الصور للأشخاص الذين نعنيهم وأدخلناهم إلى عالمنا الروحي والجمالي في أبهى وأجمل صورة ، لأننا نحن من رسمناها كما نريد وتأملنا أن تكون كذلك ونتمنى ذلك ، فنعيش معها في عالم بديع وجميل ، لا يراه أحد سوانا . 

ورغم أننا لا نعرف هؤلاء الشخاص تماماً بل أبداً إلا أننا تعرفنا عليهم عبر وسيلة ما وارتبطنا بهم بطريقة ما فأخذنا نرسم لهم تلك اللوحات الجميلة ، ونحتفظ بها في ذاكرتنا ونجعلها في واجهة أيامنا وحياتنا ونحن نريد أن تكون صورة ناصعة جميلة ، فما نلبث أن ننطلق ونخرج من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة وقد علقت تلك اللوحة في عقولنا وبقيت خطوطها ماثلة أمامنا فننطلق في الحقيقة للبحث عنها ، وفي نفوسنا شيء من الوجل والخوف بألا تبدو لنا تلك الشخصيات التي رسمنا صورها وهمياً في خيالنا كما نريد ونشتهي ، ونبقى حينها نردد أسئلة محيرة ولا نعلم كيف نجيب عليها عندما نجد شخصيتنا على أرض الواقع والحقيقة ، ونخشى أن تظهر بخلاف ما رسمناه لها ، ونتساءل ماذا سيكون موقفنا لو رايناها ووجدناها أقل من رسمتنا الخيالية ، هل سنعترف ونعرف بأنفسنا أمامها أم نواصل السير بجوارها دون أن تعلم أننا من رسم شخصيتها وحبر ومثل جمالها وظلل خطوطها وكحل عينيها ، وحمر خديها ، وأضمر خصريها ، ومشق قامتها ، وجعلها تتثنى غنجاً ، وتميل طرباً ، وتتيه حسنا . 

وماذا لو وجدناها أجمل مما كنا نتوقع ، ونجد أن رسمنا قد اختزل الكثير من تلك الجماليات والمحاسن ولم تظهر لنا ذاكرتنا ومخيلتنا تلك المفاتن التي رايناها للتو .

إننا نتخيل ونرسم ، ونرسم ونتخيل ، ويختلف الحالان بين هذا وذاك ، فعندما نتخيل لنرسم نجهد أنفسنا وخيالنا بالخوض في أمواج الجماليات والإبداع لتظهر رسمتنا كما نريد ، أما عندما نرسم لنتخيل فربما ننفذ ذلك على عجل فتظهر الصور أقل مما نريد أو يريد الآخرون . 

ولكن الصور الخيالية هي الجمال وهي الباقية مهما ظهرت الشخصية في الحقيقة وستبقى من أجمل الأشياء والصور الماثلة أمامنا لأنها قد ارتسمت في عقلنا الباطن ورسخت في حنايا النفس .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More