الأربعاء، سبتمبر 26، 2012

أخبرني ليل تمشى في جانبيه نهار .





لست نداً للحزن ، بل أنا رفيقه ، بل هو رفيقي . جليسه وجليسي ، أناجي الغائبين من خلف جداره . وأتحدث إلى الأحبة من فوق أسواره ، وبيننا حجب من ضباب الأيام الغابرة .. العتيقة .. العتيدة .. العنيدة .. تمضي دون التفات ، وتركض دون إصغاء ، لا تلوي على الماضي ، ولا تكترث للحاضر ، ولا تهاب المستقبل .

عددتها على أصابعي الخمس ، ثم العشر ثم العشرين ، حتى لم أعد أجد أصابعاً أعد عليها ، فأشرت إلى الأشجار همساً أرصدها على قارعة الزمن السحيق ، حتى طال العد وتزاحمت الأرقام ، فأسقط في يدي والتوى على جسدي حبل الألم ، واعتلى كاهلي  حمل الملل ، فأعود لأقعد تحت أسوار الأيام أعيد العد وأبخسه حتى أعلل نفسي بوهم  الأمل الطويل ، بل المستحيل .

رسمت على جداري الزمني الواقف بصمود ، يعتريه جمود ، وهدوء الوجوم ، كأنه في انتظار أمر جلل ، لطخته بمداد بما يثعب من أعماقي من نزيف الجراح الغائرة الحائرة في عرصات كياني الهزيل ، المتهادي ، فتشكلت من ذلك المداد كلمات كنت أصد عنها يوماً وأكتمها خشية منها ، متوهماً بأنني إن ذكرتها سأثيرها ، وأنها لن تثور طالما تركتها وشأنها ، ولم أكن أعلم أنها قد دونت في قاموس ايامي القادمة ، وانطوت وطوت معها صفحة الأمل البيضاء التي كنت أنظر إليها كل يوم بل كل لحظة ، فما زالت تتهادى أمام ناظري ، وتتلاشى وتدرس رسومها وتتبعثر الحروف على سطورها كأنما كانت رتقاً فانفتقت . واسودت في عيني وضاعت معالمها ، فوعيت على رماد تذروه الرياح من وسط راحتي  فنفضت يدي فإذا بهما خاويتان . وتلاشى كل شيء وارتحل السامرون ، وانبلج نهار ، ثم أسدل الليل ستاره علي حتى أشرقت  خيوط الصباح في وسط الليل ، وجانبي الناصية ، فأخبرني ( ليل تمشى في جانبيه نهار ) .

الثلاثاء، سبتمبر 18، 2012

أريد أماً ... !!!

 تجدونها هنا ايضاً
سألني فجأة ، وعيناه تغرقان في الدموع ، وصدره له أزيز كالمرجل
يكاد يتميز من الشهيق ، ويلفظ أنفاسه من الزفير ،

فقال : قل لي بربك كيف صدر الأم ؟!
كيف دفؤها ؟!
كيف راحتيها وهل مررتهما على جسدك؟!
كيف هما هل هما ناعمتان ، هل هما دافئتان .. ما ذا رأيت فيهما وكيف شعرت بهما ؟!
قل لي رجاء لا تبخل علي : كيف حضنها ؟!
كيف حرارة جسدها هل احتواك يوماً ؟
هل أحاطتك بحجرها كيف تدفأ؟!
هل ضمتك بين متاعها ؟! ولفتك بين ملابسها حنواً عليك وخشية؟!
هل تتابعك ببصرها وأنت تلعب بين يديها ، تتحدث هناك وقلبها وأحاسيسها معك؟!
تبكي لترحكَ ألماً ، وتبكي لفرحك سروراً !!
تسهر جالسة عند رأسك وأنت تغط في نوم عميق ؟!
تمسح بيديها على جسدك كي تشعر بالأمان ثم تبحر في نومك الهادئ الهانئ ؟!

أخبرني عن الأم تحدث إلي بكل تفاصيلها وأحوالها ، ماهي هل هي إنسان هل هي مخلوق بشري
أو ملاك سماوي ، أو ماذا هل في داخلها قلب بقدر قبضة اليد أم مضغة بحجم السماوات والأرض .
هل هي جنة أم الجنة تحت قدميها ، وكيف تستطيع أن تضعك تحت قدميها في جنتها ؟!

ثم توقف قليلاً يجهش بالبكاء .. تكاد أضلاعه تخرج من بين جنبيه تقذف اللحم والدم كما تقذف المجانيق
كرات اللهب فتدمر الحصون وتهدم القلاع ..
ثم استجمع نفسه ولملمها وهو ينتفض كالغريق من البرد .. وقال بصوت خافت .. وهو ينظر إلى قدميه
أو حولهما : نظر المغشي عليه من الألم والحزن والأسى .. أريد أماً .. أريد أماً .. أريد أمــــ ثم غاصت عيناه
في بحر من الدموع ، فلما ضاقت بدمعه محاجر العينين فاض من بين رموشه كحبال من الحميم يتدفق يشوي
اللحم ويخط في المآقي ساقية جرت فيها دموع محرقة ..

فقلت له ولست بأفضل منه .. فقد تفاجأت بالحدث واستغرقت في التأمل وحاولت أن أرسم لقصته صورة
لأتبينها ، وطرأت على أفكاري كل الأمهات وبدون في قصص عجيبة مختلفة في مضمونها متوافقة في جوهرها
أم رؤوم وحنان عميق ، وأمومة طاغية كالصواعق المحرقة إذاما تعرض لها أحد ليشوهها أو ينال منها .

لماذا ؟ ! هل ماتت أمك ؟!
هل هي مطلقة ثم هجرتك أو ابتعدت عنك بغير إرادتها ؟!
أم ابتعدت عنك لأي سبب من الأسباب ؟!
فقال : لا ..!
فبقيت متحيراً قليلاً .. ثم استطردت في سؤاله .. إذن فأين أمك ولم تسأل عن الأم ؟!
فاكتفى بأن قال : إنها حية ترزق .. ولكنها لا تعيش معي أبي .. إنها تعيش وحدها .. وأستطيع أن ... ثم سكت .

ولبرهة يسيرة ثم قال : أريد أماً أشعر بها كلما ابتعدت وأينما ذهبت ، أشعر بروحها تتعقبني وتشدني
كلما تماديت في الذهاب ، وأمعنت في الرحيل ، وأطلت في الغياب ، تحتويني وأنا في أقصى الأرض
وهي في أقصاها ، أجدها بين جنبي وفي منامي أكلي وشربي ، وضعني ورحيلي ..
اراها في السماء ، وأسمعها في صوت الرعد ، وفي نسنسة الرياح ، وهبوب النسمة .
أسمعها تناديني وتحضني على الاعتناء بنفسي ، وتوجهني وتدللني .

أريد أماً أعبد الله بطاعتها ، وبرها ، وحبها ، وتنفيذ أمر فيها ، أريد أماً ارى في عينيها دموع الفرح إذا أتيت
إليها لا دموع غيرها .
أريد أماً أسمع في صوتها أزيز الرحمة وشآبيبها ..
أجد في جوارها الأمن والطمأنينة .. أشتاق إليها كلما ابتعدت عنها ..
أريد أماً تدعو لي وتستغفر لي ربي .. أخفض لها جناح الذل من الرحمة .. فترفع صوتها بالدعاء لي .

ثم نظر إلي بعينين ملؤهما الحزن والأسى .. قد جرف ما فيهما من بياض دمع حار فجعلهما كتلة من الدم
وعروقاً ممتلئة بالدماء تكاد تتفجر فتدمع دماً .. وقال :
لقد فقدت أمي وهي حية ترزق .
إنها لا تحبني ولا تحب أحداً من أبنائها .. تتعمد أن تجعلنا مذنبين ، عاقين نعصي الله فيها
تنظر إلينا بعينين ملؤهما الكره تكاد تعض علينا أناملها ..
لا تسمح لنا ببرها .. ولا تفتح قلبها لنا كي ندخله ونترفق بها ونطيع الله فيها ..
استعادت أمومتها تجاهنا ورمتها بل كبتتها بين أضلاعها ، وأعادتها إلى ثديها ، ودفنتها في صدرها
ثم تبدو لنا كأنها صحراء قاحلة .. أو بئر معطلة ..

نعم يا أخي أريد أماً فأنا بدون أم رغم أن أمي لا زالت حية ترزق .. ولكنها كالجنة الخاوية على عروشها
لا نبات فيها و ( لا ماء ولا مرعى وحمراء قحيلة .. خبوتها واسعة ) .
فوجمتُ من حديثه ورفقت بحاله وهدأت من روعه وقلت له هذه أمك ولابد من طاعة الله فيها
وبرها .. قلت له هكذا مع أنني لا أعرف عن الأم شيئاً .. فبدت قصتي مشابهة لقصته فشرحها عني .
----------------
خيال سرحت فيه رغماً عني وبحر سبحت فيه ولست بحاراً .
واقع ملموس وحياة تعج بالعجائب .
تقبلوا تحياتي .

الأحد، سبتمبر 16، 2012

حكايتنا سطور باهتة .


حكايتنا مع الأيام سطور تتوالى وتتتابع في سجلاتنا ، فنعود لإرشيف الزمن كلما افتقدنا منها شيئاً أو اشتقنا له ،  نتلذذ بتعذيب أرواحنا ، بجحيم الماضي وذكرياته حتى إذا أثخنت الجراح وتفاقم الألم في نواحينا نأخذ من نهر الحياة العذب ونرتشف منه ما يطفئ اللهيب الذي قد أشتعل في ساحاتنا .

كلما اشتقت إلى وجهك الجميل أبحث عن الليل وأشتاق إليه  لأكون على موعد مع البدر أو القمر عندما يعتلي صهوة السماء يمشي على استحياء ، فأنظر إليكِ في صفحته الجميلة ، فأشعر ببعض الهدوء ، والارتياح الممزوج بمرارة الفراق ، وحرارة الحنين ، وتعب الأنين . 

فأين تلك الليالي الملاح ، وأين منها الصباح ؟! 
ليل كنت أخشاه وأكرهه ، أيام اللقاء والوئام والصفاء ، وها أنا صرت أعشق وأهواه ، وأنتظره ليأتي لأخلو فيه مع نفسي أحدثها ، ثم أناجيكِ وأنت في غيابة الأيام ، تتوارين عني يوماً بعد يوم ، وتبتعدي عني كل يوم كالشمس تسير في السماء بروية حتى تتوارى في أفق الغروب ، وتعود على أهل الأرض بصبح جديد ، وإشراقة صافية جميلة ، ليتجدد لهم يوم آخر جديد ، أما أنت فكم كان أفق أفولك سحيق ، تسيرين فيه قدماً ، دون أمل في إشراقة جديدة تضيئي بها غياهباً تراكمت وأظلمت كل طرقاتي وسبلي .  

وتستمر الأيام في الرحيل ، وتستمري في السير معها في طريقها المجهول لتصبح حكايتنا سطور باهتة على أوراق مهترئة متناثرة .

الاثنين، سبتمبر 10، 2012

عاصفة على سراط السطور .


فتشتُ أوراقي وتسللت إلى سجلات الماضي ، وتنقلت بين خلجات حروفه
وردهات كلماته ، وعبرت على سراط سطوره ، أمسح بعبراتي غبار الزمن المتراكم
على رف العمر ، وأجلو بذكرياتي عجاج الأيام ، كالذي يستقبل طريقاً قد درست معالمه
بعدما كانت واضحة للمارة والمسافرين ، كأني أعبرها في سفر شاق ، حتى أخذ مني الجهد
ووعثاء السفر ، فمسحت من ذاكرتي ما علق من قدم الزمن بذكرياتي ، وجلست تحت ظل التأمل
والإبحار في لجج الأيام ، وغيوم المستقبل ، فلما وجدت نسمة مترقرقة على جسدي المنهك
الممتزجة ببرودة الظل ، ونفحات الهواء العليل ، غفوت على جهد وأخذتني سنة التعب والنصب
فتسللت إلى باطني ذكريات الزمن ، وعاد ضجيج الأيام ، وصخبها إلى ساحتي الهامدة ، الملقاة على
صفيح الذكرى الملتهب فلما تمكنت مني السنة وهمدت النفس وتراخى الجسد ، استيقظ في أعماقي
جوى ، وهبت رياح الذكريات فأزاحت عن الجراح ما كان قد غطاها من هباء النسيان المنثور ، ثم أتت على ما كان قد
التأم من الجراح فنكأتها ، فعادت تنزف من جديد ، وعاد الألم يعتصر الفؤاد ، ويشعل الجسد ، وينهك العقل
ويعتصر الذاكرة .

ربما أنها ذكريات أليمة ، ومواجع تنتفض مع كل لحظة ذكرى ، وحنين يتجدد مع كل إشراقة شمس

وطلوع كل بدر ، واكتمال الشهر ، إلا أنها كانت دواء لفؤادي ، وعزاء لمرادي ، ودار خاوية أهفو إليها لأستمع
إلى رياح الذكريات تخفق في أرجائها ، وتثير غبار الزمن من بين لبناتها ، فتهدأ نفسي لأن ذكراكِ هي
التي تثير كل تلك الطقوس في حياتي ، فأنت مصدر إلهامي ، وريشة قلمي ، وصفحتي الدائم بياضها مهما
كتبت عليها من حروف ، ودونت عليها من ذكريات ، بل تزيد نصاعة وبياضاً كلما نبع فيض من قلمي على سطورها
أنت قدري وأنت الظل اللصيق لبدني وأنت العاصفة في داخلي ، والعماد لعرشي ومملكتي وكيان

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More