الأربعاء، يوليو 07، 2010

لن أسكنكِ بين الجراح .



 الوداع الأخضر

لست غاضباً ولكنني أودعك .. لست غاضباً ولكنني أنساكِ .. لست غاضباً ولكنني أبتعد عنكِ . 
لست غاضباً ولكنني أتدثر بثياب الحزن والأسى ، وأتجرع كأس المرارة والندم ، وأرتع بين خمائل الهم والألم ، وأتجرع كأس المرارة والحرمان ، وألعق الصبر وأعض أصابع الندم والويل والحسرة ، وأتقلب على جمر البعد والفقد والحرمان . 

أخرجت قلبي فرضاً وكناية واستعارة ثم وسدته بين يدي وتأملته وتفحصته فوجدته قطعة من الدم العبيط قد تحول لونه إلى اللون الأسود ، ثم قلبته بين ذراعي كما يقلب الأب الحاني فلذة كبده بين يديه ميتاً ، يغسله ويكفنه ودموعه تنهمر من مقلتيه بغزارة ، فتختلط مع ماء الغسل فصار يغسله بدمع ممزوج بالماء ، وقلبه يتحرك بين أضلعه يكاد يقلع من مكانه .. 
لقد وجدته جثة هامدة متقطعة بل متكسرة متحطمة يتفتت بين أصابعي كما تتفتت كرة الطين اليابسة ، وجدته حياً وليس به حياة ، وميتاً ولكنه لم يحظ بشرف الموت وراحته فيرتاح به ، أنينه أزيز ، وتنهداته لها حطيم ..
ياه .. ويا آه .. كم تحتبس الكلمات عليَّ وكم تتسارع ، لقد أصبتيني في مقتل يا تلك .. 
وأرديتيني قتيلاً وجريحاً معاً ، قتيل ولست بميت وجريح ولست بمندمل الجراح .

إنني أودعكِ وقلبي يتفطر وكلماتي تحتبس مني في الحلقوم وأغص بها غصة تكاد تخنقني كأنها صخرة عاتية استعصت على زبر الحديد.  
ظللت أبحث عنكِ وأنتظركِ وأترقب ، وأتأمل منكِ عودة وإقبالاً علي من جديد ، وقفت في مفترق كل طريق أنتظر قدومك وعودتكِ ، وجلست أسامر الليل واناجي القمر وأسأله عنك وأتأملكِ في صفحته ، أنتظر منكِ رحمة ، وحناناً ربما افتقدته من صغري فظننت أنني سأجده عندكِ ، ولكن انتظاري طار وبعدت الأيام والشقة ، وزاد الشقاء والضنى ( يا احبابنا زاد الضنى وزاد شوقي واللهيب .. ما قد  نزل لي زادنا حتى ولا قطرة حليب ، ) فبدأ قلبي يموت ويفنى ، وجراحي تغور وتتسمم وتتعفن والداء يسري في جسدي ، وروحي تتصاعد في أوصالي تصارع لتخرج ولكن ذلك بقدر ، والزهر يذبل في بساتيني ، والشجار تموت في حدائقي ، والنجم كالعصف في خمائلي ..

نعم لقد مات قلبي وأنتِ من قتله ، ولم أتلق فيه عزاء أو مواساة ، لقد مات كما يموت التائه في الصحراء ، أو الحيوان في العراء ، لم يعزيني فيه سوى كياني ونفسي وأنحائي ، ولقد كفنته ثم دفنته في صدري دونما غسل فهو في نظري شهيد محرابكِ فلله هو من شهيد .

بدأت كلمات الحب والغرام تغيب عني وتهجرني ويراعي ينفر مني عندما أريد أن أخط به كلمات الحب ، وفكري يخونني عندما أشرع في تفسير مغانيها ويتركني ولا يسعفني بالبحث عن أجمل معانيها ، وأصبح يمنحني الغث منها دون السمين والجُفاء ، ويحرمني ألذ وأجمل المعاني وكلما سألته وتساءلت يجيبني بأنكِ لا تستحقين أدناها فكيف يمنحني أعلاها ؟! 
كل شيء من حولي اختلف علي وتخلف عني وتغير وجفا وتحير وهجر وتعذر . . 
على أطراف أطلالكِ رفعت راية خضراء ترفرف في وسط الرياح ودونت عليها كلمات الوداع الأبدي وفراق غير وامق ، يرفرف بآيات الحزن والحرمان ، وصور الجراح التي تثعب بدم الصد والهجر والجفاء تعلوه  ... 
لقد وضعت قلبي تحت ضوء الشمس وتركته تحت ضيائها وحرها وهجيرها حتى جف ويبس وقسا وتصلب وتجمد حتى صار صخراً قاسياً وجلموداً يابساً ، فتصلبت أبوابه مغلقة ، وتهدمت نوافذه واستغلقت فتحول إلى كتلة صخر قاسية باطنه كظاهره وظاهره أرض جرداء لا حياة فيها ولا ماء ، ولاعشب ولا هواء وتحول من قلب عاشق محب إلى قلب ناسياً قاسياً يقسو ويصارع وياوم كل معاني الحب ويرفضها ويتحلى بصفات الأعرابي الجلف أو الحاكم الظالم الجائر .. 

أترين كيف حولتِ حياتي وكيف قلبتِ كياني ، وحولتِ حياتي إلى ساحة للصراع والخلافات ومسرحاً للمعارك والحروب النفسية ، ثم تخليتي عني وتركتيني أصارع وأقاوم الحرمان وأتقلب في بركِ العذاب والألم .. 

إنه الوداع يا تلك .. نعم لقد قررت وأصررت ، فلا تعودي إلي لو خطرت لك فكرة أو لاحت في نفسك بادرة ، فلم يعد في قلبي لك متسع رغم أنني أحبكِ وأعشقكِ ولازلت كذلك نعم لقد أحببتكِ حتى زاد الحب عن حده وتماديت فيه وأفرطت فيه أيما إفراط وأسرفت في التقرب إليك أيما إسراف ، وفي الأثر ما زاد عن حده انقلب ضده .. 
لم أعد أرغب أحتمل العذاب والحب المجهول رغم أنني لازلت أحبكِ ، ولكنني قد قسوت وأريد أن أكون كذلك ، أريد أن أجد قلبي قاسياً ظالماً ، يحاسب ويعاقب ، ويعفو وينتقم ، لم أريده ذلك القلب المحب الخالص ، يبدو أن الزمن لم يعد زمن الحب والعشق والغرام ، ولعلي كنت أعيش في عصور قد خلت وتلبست بثوبها القديم على جسد جديد ، لم أعد أريدك ولا أرغب فيك .. ليس كرهاً ولا نكراناً ولا هروباً ولكن قلبي لم يعد يحتمل فقد أثخنته الجراح وأوهنته الليالي والأيام العصيبة ، وأضناه الفراق والجفاء والهجر والبين .. 
إنه جرح بحد ذاته وداء في سماته ، فكيف يشفى المرض من الداء ؟ 
سامحكِ الله لقد قسوتِ علي وظلمتيني وجرعتيني من الحمام كؤوساً ، وأسقيتيني من الهجر تعاليلاً ن واريتيني من العذاب صنوفاً ، وحملتي قلبي فوق طاقته  وكنت قد نبذت كل ملذات الحياة من أجلكِ ، وكدت أخسر من حولي من أجلكِ ، ولا زلت مصراً ومراهناً على حبكِإلا أنكِ افسدتِ علي رهاني وجعلتيني صغيراً ..
إنكِ تتجاهليني وتجافيني عمداً وجوراً وظلماً .. وحق لي أن أنفذ بكرامتي فلا حب بدون كرامة ن ولا كرامة بدون حب ولا حب بدون تضحية ولا تضحية بدون إخلاص ووفاء .. 
لا تعودي ..  فقد تناسيتك وما كنت ناسياً ..
لا تعودي فقد اعتزلتكِ واعتزلت الحب .. 
لا تعودي فتنكئي الجراح مرة أخرى ، وتريقي دمي بعدما توقف وجفت قنواته .. 
اتركيني أحلم بكِ من بعيد .. 
لا تعودي .. فقد صار قلبي جرحاً غائراً ولا أريد أن اسكنك بين الجراح ..

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More