الأربعاء، أغسطس 29، 2012

همس الأطلال بين الحزنين والبتيل ..


بين الحزنين والبتيل نشأت قصة حب ارتسمت على رباهما أحداثها ، وامتدت بين أطلالهما حبالها ، وتغنت بكلماتها الأطيار على أغصان أشجارها ، وامتزجت بماء النهر الجاري عباراتها ، وهمست في أعماق المحبين أطلالها .

على ذلك التل الممتد بين أحضان واديين نهر يجري على يمينه ، وأعشاب وأزهار تنبت وتهتز على يساره ، تكسو جنبات وادينا بالخضرة وجنان غناء وظلال وارفة .

منذُ الصغر وأنا أنظر لهذين الموضعين نظرة الإجلال والإكبار ، يراودني شعور خفي تجاههما لم أدرِ ما كنهه ، ولا أعلم ما هو ، ولم أجد له تفسيراً حيناً من الدهر ، سوى ما يخالط شعوري من أحاسيس وانجذاب النفس إليهما .

كنتُ ولا زلت أنظر إليهما باحترام وإجلال ووقار ، وأشعر بأنهما يبادلاني الشعور أيضاً ، كأنما خلقتُ منهما ، أو كأنما نحن من نفس واحدة ، وكأن تربة جسدي قد قُبِضَتْ من ترابهما ، فكانت نفسي وروحي تشتاق وتتوق إليهما .

كلما أتيت من مكان بعيد وعدتُ أيمم بروحي وإحساسي ومشاعري نحوهما ، لألقي عليهما تحية الشوق واللقاء ، والبعد والحنين ، والألم والأنين ، والذكريات البعيدة على أطلال نسجتها رياح الجنوب والشمال .

عليهما هيبة ووقار وتاريخ عظيم ومستقبل سيسطر في صفحاتي لحظات جميلة ، ويدون على جدار قلبي الذكريات العميقة ، ويخلد في كياني السنوات العتيدة ، وينقش في أعماقي كل لحظات مرت وارتبطت بكل أجزاء حياتي .

وتمر الأيام ويبدأ العمر في التزايد ، وتقترب لحظات تفسير ما كان يدور ويعتلج في خاطري من شعور تجاه تلك الزوايا والنواحي ، وكأنها ذكريات تقدمت قبل أوانها والتي ظلتُ عاجزاً عن تفسير ومعرفة أسبابها منذ نعومة أظفاري ، وعشت في صغري أجهلها ، ولم تبرح كياني ولم تفارق ذاكرتي ، ولم تنطوي من صفحات ذكرياتي ، ولم تغادر تفكيري ، فإذا بي أصحو على وضح الأيام وهي تفسرها ، وكأنما غفوت لحظة فتسارع إلي منام عاجل مرت خلاله ذبذبات حلم جميل لأجد في الصباح تفسيره دون عناء السؤال وطلب التعبير .

تشكلت عليهما حياة لم أكن أتوقعها ، ولم يدرْ في خلدي بأن تلك التلة ستكون جزءً من حياتي يوماً رغم ما كان يختلط مع أفكاري ويعتلج بفكري ، ولم أكن أعلم بأن أصوات تلك العصافير التي كانت تتنقل من شجرة غلى شجرة ، ومن غصن إلى غصن ، والتي كنت أنصت إليها باهتمام ذات يوم دون أن أدرك تفسيراً لذلك رغم صوتها العذب ، ولحنها الشجي بأنها ستعزف أصوات السعادة ، واللقاء ، والحب والأشواق ، والحنين معاً ، وتشد أوتارها على جانبي حياتي ، وتستمر نغماتها تهتز في أعماقي ، ويعلو صداها في أرجائي

لم أكن أدركُ أنني سأكون جليساً تحت أغصان أشجارهما ، تظلني وتقيني الهجير ، وتحميني وتغسل جسدي بقطرات نداها التي جادت بها عليهما نسمة ليل عليلة .

زرعت فيهما قلباً وذروت على تلالهما نفساً ، ودرجتُ عليهما روحاً وخيالاً كأنما درجت عليهما طفلاً ! كيف لا وقد كانت نفسي الطفلة تعشقهما دون أن تدرك سر ذلك العشق البريء ، وكنت أحن إليهما كما يحن الطفل الرضيع إلى أحضان أمه الرؤوم !

كيف لا وقد كنتُ عندما ألقي ببصري إليهما يتبادر إلى ذاكرتي قصة حب خالد ألفها قيس بن ذريح وليلى العامرية ، ولم أكن أدرك معنى الحب ولم أدر ما هو ، حتى عرفت بعد مرور السنين بأن ذلك الوقار والمنظر المهيب والجلال عليهما كان يوحي إليَّ بحياة عشق وغرام ستنشأ عليهما وفراق سيتفجر على أطرافهما ، ثم خلود الذكريات على أطلالهما ، ثم ثرى أروع قصة حب ألفتها ونسجتُ خيوطها ، وجريمة قتل قلب بريء ، حيث لازال يدعوه ليواريه ثراهما .

مهما أطلت الحديث عنهما وبحثت عن الكلمات فداخلي حديث عظيم ، ومعان عميقة ، لا يمكن أن أحيط به أو أستطيع أن أصفه وأكتب عنه ، وشعور لجي - كبحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب - لا أستطيع اجتايز أمواجه العاتية سوى أنني قد بذرت من حياتي بذرة وقطعتها أجزاء ونثرتها على ذلك الثرى ، ودثرتها بأغصانها وأعشابها ، ووريتها بماء واديها ، وقطرات نداها ، وتركتها بين تلك الأطلال ، ولا زال الشوق يحدوني إليها والنفس متعلقة بها وستظل كذلك فلعل قصة الحب تعود من جديد أو يوارى جسدي عند الموت في ثراها .
فهناك من يعلم ذلك ويدركُ بأن من اجتر قلبي واهتصره من بين الحنايا والجوانح وألقاه بين تلك الربى والأطلال يهمس في حياتي ويلج همسه إلى فكري وأفكاري والتقى على أمر قد قدر همسه بهمس أطلال .
ولا زلت ألتقي بروحها على تلك الطرقات ، وأرسم صورها تتدرج على الربى في خيالي
فعودي إلي فاتنتي فلا زلت ألقاكِ في الطلل ، وروحي بروحكِ بين البتيل والحزن تنادي .
حصري وخاص .. وشجون هاجت في الحنايا ، حتى خرجت أنغامها كالشهب تحرق المآقي .
مع أرق تحياتي لكل من يقرأ .

الجمعة، أغسطس 10، 2012

لهيب الذكريات .

عندما وضعت يدي في يدك برق بصري إلى مستقبل كبير نظرت فيه إلى حياة أبدية أعيشها بين همسكِ ودفئكِ ، وعشقكِ ، فخيل إليَّ أنني أعيش  أجمل قصص ألف ليلة وليلة . 

لاح برق في سماء ملبدة بالغيوم ، في ليلة حالكة السواد ، وصوت الرعد يهز الأرجاء والبرق يضيء آفاق السماء ، وصوت قطرات المطر له ضجيج في ساحات المكان وأنا  أمام النافذة ، أشاهد كل تلك الطقوس المتتالية في ساعة من الزمن ، فتارت يومض برق ، وتارة تهتز أغصان من رياح تداعبها وزخات مطر تطهرها وتارة دوي رعد يأتي من بعيد يتهادى إلى السمع فيسترعيه ويجذب البصر نحوه ، وتارة نسمة عليلة قد بللتها قطرات المطر فتقع باردة على الجسد فكأنما تنفخ فيه الروح وتبث الحياة ، فتعبرين إلى عالمي مع كل لحظة من تلك اللحظات ، وأراكِ في تغيرات السماء ، في ومضة البرقِ ، أستعيد ذكرى ابتسامتك الجميلة ، ولمعة أسنانك عندما تنبلج عنها شفتاك القانيتان ، وفي عتمة الغيم أستلهم ليلاً أشرقت من خلاله شمس جبينك الوضاء . 

نعم إنني أذكركِ في كل مناسبة ، ومع اللحظات العابرة ، أنتِ حاضرة معي في أعماقي ومخيلتي ، وذكرياتي ، وأتراحي وأفراحي ، في الضباب ، والغمام ، والطل والطلل ، وفي قطر الندى ،وتردد الصدى ، حتى في تلك القطرة التي تركتها ليلة باردة على ورقة خضراء ، فطلعت عليها الشمس فلمعت كأنها حبة من جمان ، أرى فيها دمعكِ وأتخيل أنها انسكبت من عينيك في لحظة فرح أو حزن  فأمسحها وفي تلك الورقة قد تحسستكِ واستشعرتُ خديكِ الأسيلين ، فانهارت عيناي وأغمضتهما على ترقرق الدمع فيهما ، فاحترق جفناي من لهيب دمع الذكريات . 

السبت، أغسطس 04، 2012

مَهْجَرِ الصُّدُودِ .


ربما يوماً سنلتقي بعد كل هذه السنين الطويلة من الهجر والجفاء
لا زال في قلبي حديث منذ أن ابتعدتِ عني بأن لقاء مرة أخرى 
سيحدث ، فأعاتبكِ وأشكو إليك كل تلك السنين التي مرت علي 
وأنا في مَهْجَرِ صدودكِ وبعادكِ .

الأربعاء، أغسطس 01، 2012

نظرة قبل الرحيل .


كم طاب الهوى ، وكم فينا لعب ، وكم تغنينا بأعذب كلمات المودة والعشق . 
ورسمنا على صفحات الماضي صوراً كان مدادها همس خافت في أعماقنا ، كلما خلا بنا مكان ووجدناأننا
وحيدون مع أنفسنا لا تلبث الذكريات أن تتسلل إلى التفكير ثم تطغى ، فنسبح في غمار ذاكرة الهوى رغماً عنا
فتمر تلك الذكريات في صور متعاقبة متسارعة فلا نجد بداً من التعمق والإبحار في زخم أمواجها ، نتطلع إلى شواطئها
البعيدة ، ولكن كلما أبحرنا اتسعت أمامنا آفاق البحر وعلت في وجوهنا الأمواج العاتية ، حتى ندرك أن ذلك البحر رهواً 
بلا سواحل ولا شطآن نرسي عليها ونوقف سفينة الذكريات ، لننسى عبثاً شيئاً من متاعب الحب . 

إنما هو حياة قد كتبت علينا فدخلناها من أوسع أبوابها دون أن ندرك ما يدور في أروقتها ، ولا كيف يعيش من ينتسب
إليها من قبلنا ، ولو كنا نعلم بأحوالهم لعلنا اتعضنا أو وقفنا منها على جلية أمرها ، ولكن لم ندرك إلا وقد رمينا بمجاديف 
القوارب في قعر بحار متلاطمة . 

تقلبنا في حرها وبردها ، وتذوقنا حلوها ومرها ، وعشنا حتى شربنا فما ارتوينا من نهرها . 
كلما حاولت أن أمسح جزءً أو حرفاً من ذاكرة الماضي أجدها قد خلدت ورسخت وتجذرت في كياني ، وصارت نقوشاً 
في صفحاتي قد ثبتت ، وأيقنت أن من المستحيل أن أتمكن من مسح تلك الأشياء ، فاتخذتها مزاراً أخلد إليه كلما مرت الأيام 
وتتالت السنين ، حتى أجدد ما درس من نقوشها وأعيد رسمها من جديد ، واتخذتها عزائي وسلواي وحديقتي الجميلة التي آوي
إليها أردد فيها تراتيل الهوى والنوى ، وأضطجع على أرضها وأخلد إلى إغفاءة أحلم فيها وأستعرض دقائق الماضي الجميل . 

أستمع إلى حديثكِ يطرق سمع الذاكرة ، ولم ينفذ إلى سمعي ، وأرى طيفك يخطر أمام ناظر الذكرى دون أن تعبري أمامي 
أناجيكِ في طيفكِ العابر ، أتحدث إليك عبر همسكِ الخاطر ، أتحسسكِ من خلال أصابع الوهم والمنى والأمنيات الغابرة 
حتى أخفف عن نفسي ثقل البعاد ، وجور الفراق ، وأعيد لعيني نوماً توارى في السهاد . 

 كم أفتقدكِ فيا هلى ترى مسحتي صوري من خيالك ؟ وهل أزال الدهر حروف اسمي من صفحاتكِ ، هل تمكنتِ 
من نسيان عباراتي وألفاظي التي تفننت في انتقائها لتليق بجمالكِ وتظهركِ على قلبي الذي فيه مكانكِ . 
كم أتوق إلى لحظة عابرة أسترق النظر إلى وجهك وأتملى بجمالك قبل الرحيل .
وكم أشتاق إلى مسحة بيدك العطرة على جراح غارت في أعماقي ولم تندمل ، لعل في راحتيك دواء يهدئ ويخفف من لهيبها 
ويسكن بها خافق في جوانحي ينبض بحبك . 

هل تتصوري يوماً أنني قد نسيتك ، وهل تؤمني بذلك ؟! 
إذا كان لديك هذا الشعور أو ذاك التساؤل فأجيبي على نفسك عني بأنكِ لا زلتِ منقوشة على جدار فؤادي 
وفي أعماقي ، إلى يوم التلاقي .

 

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More