الجمعة، يونيو 18، 2010

( همس ) السراب

تلك هي القصة التي لم أستطع أن أختمها ، وتماديت فيها صفحات عديدة ، بلغت مايقارب الاثنتي عشرة صفحة بوجهين كاملين ولا زال حبلها مسترسلاً بيدي  وقلمي يرتعد بين أصابعي وتئز من ريشته  صفحاتي ، ولم تنطوي سجلاتي لأنني كلما أردت أن أبحث عن خاتمة لها وجدت الآفاق تتسع أمامي والطرقات سالكة ، والكلمات منهمرة علي من ينابيعها ، فتبتعد كلمات الختام وتتوارى حروف الوداع ، وتأتي كلمات أخرى فتجبرني على الاستمرار والاسترسال في التدوين . 

لا أدري هل هو الحديث عن السراب تكون خاتمته كالسراب لا وجود لها فيظل الشارح يتكلم والمدون يفتح صفحات ويطوي أخرى ، والراكض خلفه يجري دون توقف وهو أمامه متوقفاً تارة ومبتعداً  كلما اقترب منه ، فيراه بقيعة أخرى وهو يجري خلفه عله يحظى منه بلمسة فلما وصل إليه لم يجده شيئاً ، فأطلق نظرة الحيرة واليأس فإذا به يراه في أفق آخر . 

أم أن الحديث عما يشبه السراب هو ضرب من الجنون ، أو أمر من المستحيل تتوالى فيه الكلمات وتهفو إليه في محاولة يائسة للإلمام به والإتيان على كل جوانبه ونواحيه ، فما تلبث أن تقبع عاجزة حائرة تحت أسواره ولم تستطع أن تطوي صفحاته أو توقف سيل معانيها المتدفق بقوة واوابلها المنهمر بغزارة فتظل تسير بجانب السور بحثاً عن نهاية للحديث . 

بل هي حقيقة أتت لي من السراب وتبلج عنها وهجه المتبخر في صحراء المستحيل ، فحدثت معجزات لم تحدث إذ تكون من السراب حقيقة ، وولد المستحيل شيئاً ممكنا في التحقيق ، فاختفت أسطورة السراب عندما أصبحت تنجب الملموس وتهادى المستحيل عندما تمخض عن أمر ممكن الحدوث . 
سطعت شمسها منتصف الصحراء ومن قلب ذلك السراب المتوهج ، فأخذت في البزوغ شيئاً فشيئاً حتى علت في كبد السماء ثم استوت فألقت بضيائها على أرضي المتعطشة لدفئها وحرارتها ، فوقعت تلك الأشعة على أرض باردة فتعانقت حرارة الشمس مع برودة الأرض وامتزجت وأخذت حرارة الشمس من البرودة نصيباً وأخذت الأرض من حرارة الشمس نصيباً فتحولت إلى دفء تصاعدت منه أبخرة الضباب فزحفت من القيعان والوديان ونفضت عنها التلال والهضاب فانتشر في السماء وكسى الأرض وتوج قمم الجبال وحجب صفحة الشمس بحلة بيضاء كما تحجب العروس وجهها في ليلة زفافها . 

عجباً لبعض الحوادث عندما تبدأ بشي من الغرابة ، وتفصح عنها  (مشاعر)  الغضب وملامح الاستهجان ، كانت في دائرة الضوء تتلقى وابلاً من الأسئلة ، التي تستهدف جمع الكثير من المعلومات والحصول على شيء مما تكنه بعض النفوس المريضة التي تسعى إلى أن تحظى بسر مكتوم تدلي به على غفلة أو بحسن نية ، وأنا أتابع ذلك وأحقق في تلك الترهات ، وأتبين الأنفس من خلالها حتى علمت الغاية من بعضها بل من أكثرها فدخلت في تلك الدائرة ولكن ليس سائلاً كما يفعل هؤلاء ، فقلت لها كلمتي ( ابتعدي عن التقصي ) لما رأيت من شفافيتها وبراءة سريرتها وسلامة طويتها ، فأخذ الحديث بيننا يكبر وهي ترد على بحالة من الغضب ، لعله من أسلوبي الذي لم يسبق لها أن عرفته ، ومن تلك الدائرة انطلقت حلقاتنا تدور في فلك الحب وتبحث عن مخرج لتنطلق منه إلى آفاق العشق وتخرج إلى فسحات الحياة ، ولكنها لم تكن البداية بالنسبة لي لأنني كنت قد دخلت في ذالك المجتمع وتجولت فيه وتحدثت مع ناسه وأهله ولكنني لم أجد ما يلفت نظري أو ما يشبع ذائقتي الأدبية أو يرقى إلى ما لدي ، ولا أقول هذا من باب التعالي أو التفاخر أو الاحتقار للغير ولكنها الحقيقة التي لابد منها ، وليس لأنهم ليس لديهم معرفة ،ولكن ربما أنهم لم يخلصوا أو يحاولوا الاستفادة مما لديهم بقدر الإمكان ، فلما أو أشكت على الرحيل إذا لاحت لي كلماتها وانطلقت في سماء الإبداع عباراتها فرأيت شيئاً مختلفاً تماماً عما تعودت عليه هناك ، ووجدت أنها بحر زاخر ونهر جار وينبوع عذب ، ومعان أصيلة فريدة ، جعلتني أشعر أنني أعيش في عصور سيادة اللغة والمنطق . 

لم تنته القصة بعد ولكنني أكتفي بهذا القدر الآن وسأحاول الإكمال فيما بعد إن شاء الله تعالى .   


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More