الأربعاء، يونيو 02، 2010

صوت العقاب








المكافأة ، العقاب ، ضدان أحدهما نور والآخر ظلام ، صفحة بيضاء ، وأخرى سوداء ، صورة جميلة وأخرى قبيحة ، إذا حصلنا على أحدهما تبادر إلينا منها الجانب الآخر ، المقابل أو الضد ، فإذا كان ما حصلنا عليه مكافأة فرحنا وارتسمت على محيانا ابتسامة عريضة ملؤها نشوة الانتصار ، وبرقت من أعيننا بارقة أمل خفيفة فيها الزهو والخيلاء ، فأصبحت حافزاً لنا يدفعنا نحو المزيد ، خصوصاً إذا حصلنا عليها نتيجة عمل جبار أو إخلاص في عمل ، فهي مصدر فرحة نجدها في أعماقنا ترفرف لها دواخلنا ويهتز القلب طرباً وجذلا ، أما إذا حصلنا عليها نتيجة تملق وتصنع فإن تأنيبها في داخلنا لا يكاد يدعنا نخرج ونزفر مشاعر الفرح فينا وتقريع ضميرنا لذاتنا يسلبنا معناها ومذاقها ويخفي بريقها عن أعيننا ومحيانا ، وشعورنا بالذنب أكبر وإن اغتصبنا سمة الفرح والنشوة ، حتى الناس من حولنا نشعر أنهم يرون ما بداخلنا من عدم ارتياح وإن أبدوا مباركاتهم ومجاملاتهم ، لأن من يتحدث في داخلنا هو الضمير وإن كبتناه ووأدناه رغماً عنه ، فنشعر بالندم وعدم الارتياح لأننا حصلنا على ما ليس لنا وتصنعنا طبعاً ليس طبعنا فصرنا نخشى عاقبة الوقوع من فوق صهوة جواد الصدق .

أما إذا تعاقبنا وتحسبنا على أمر أو خطأ ارتكبناه فإن علامات الأسى والحزن والامتعاض تتبلور في أعماقنا وتصير كأنها تخمة تقتلنا ، تظهر آثارها على صفحة وجوهنا سحابة سوداء ولون امتقع وتخثر تحت جلدة الوجه ، فظهرت تلك الصفحة السوداء على ملامحنا ، وسرت الحرارة في أجسادنا ، وتبللت أجسادنا بعرق الخجل والفشل والندم على ما اقترفنا من عمل وخارت قوانا مخافة أن نفقد مرتبنا وتنهزم شخصيتنا وتهتز صورتنا أمام من نتمنى أن نبقى عنده في مقام سام ومكان عال فنبحث عن الأعذار ونلتمسها هنا وهناك ، ونبحث عنها في أعماق الأرض وآفاق السماء ورحبة الفضاء .

وكل هذا يكون هيناً وأمراً ثانوياً أمام عقاب الحبيب لمحبه بعدما خلع قلبه وشق عنه صدره وأخرجه وقذفه إليه وجعله هدية خالصة له ، ويسترعيه عنده ، ويصرف خلفه مشاعره وأحاسيسه ، ويتوجه بكيانه وروحه ويعشقه عشقاً يكاد يهيم منه في الوديان ويصعد من جبروته القمم والجبال ويجوب من فرطه الفيافي والقفار ، يتراءى له في منامه ويتخيله في يقظته ، كيف يمشي وكيف يجلس ، وكيف يأكل ويشرب ، وكيف يتكلم ويصمت ، وكيف ينام ويستيقظ ، يستشعره في كل صغيرة وكبيرة نتيجة الاندماج اللامتناهي وتبلورت الروح في روحه .

فلم هذا العقاب الذي أطلقتيه علي والحكم الذي نفذتيه بحقي ؟ وأنت تعلمين يقيناً كيف أحبك ، وأعشقك ، وتؤمنين بوجودي في حياتك وفي نفسك وأعماقك وتعلمين ما أنا عليه من هيام بك ، وكيف أسعى للتقرب منك بشتى الطرق والوسائل وأنت تبتعدين عني رغم إيمانك بأنني أعشقك وأتوق إلى أرضك ، وأهيم في لغتك وحرفك ومتيم بمعانيك ولفظك .

انطلقت بحرفي وكلمتي فأشرقتْ في سماء متشققة ، وانتشرت في آفاق ضيقة ، وتناثرت في ساحات متهالكة ، وتلقتها عقول مغلقة ، وتذوقتها ألسن منافقة ، ونفوس متسلقة ، فلم تعرها اهتماماً ولم تلق لها بالاً ، وكأنما كانت عليها نكبة ووبالاً وأثقالاً ، فكنتِ أنت الأرض المباركة الطيبة التي استقبلت معانيَّ وحروفي وعرفت قيمتها وأعلت مكانتها ، والشجرة الباسقة التي ارتوت من معينها وتسامت أغصانها في سماء الكلمة والمعنى ، والسماء الواسعة التي حلقت في جوها كلماتي تحاكيكِ وتنادي خيالك وروحكِ القابعة في أنحائها ، فأشرقت شمسك في سمائي وأضاءت قلبي وكياني ، حتى صرت أتبعك وأنتظر قدومك بفارغ صبر ، حتى أرى وهجكِ واسمك يزين الساحات المهترئة ، فتثوب نفسي وتقر فأظل ألاحقكِ بنظري حتى تعودي أدراجك وفي قلبي لك ومنكِ لهيب وهيام .

وانبت كلماتي تتحدث عنك وتنطلق من أعماقي على ظاهرك وساحتك وتجيش حول حدودك وأطراف مملكتكِ ، فانطلقت لها جيوش كلماتكِ فتبادلت معها سجالاً وحديثاً حتى اندمجت مع بعضها فاندمجت معها روحينا فاشتد الحوار وعذُب السجال حتى تنحيت عن الساحة ورفعت قبعتي إجلالاً لحرفك ، وتبجيلا لمعانيك ، فأصبحت مغرماً بك تبعاً لحرفك ، وأعشق حرفك كما أعشقك ، وابحث عنك فوق كل أرض وتحت كل سماء ، بعدما تواريتِ حتى كادت نفسي أن تزهق ، ثم غادرت الساحة بعدك .

فلم كل هذا العقاب بربك ؟ وهل ذنبي أنني أحببتك ؟ فإن كان هذا ذنبي فسأظل أذنب وأذنب ولن أتوب عن هذا الذنب .


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More