الخميس، نوفمبر 25، 2010

لعينيكِ ( أرجوحة القدر )


كالطائر المحلق في السماء كانت الروح ، تتنقل هنا وهناك ، تعلو تارة وتنخفض تارة أخرى ، تتوارى في الغيوم أحياناً ، وتتجلى في زرقة السماء لحظة .

تجوب فضاءات الفضاء ، ترفرف بجناحين من الفرح والسرور تبتعد تراة وتقترب أخرى ، كالطفلة الممتلئ بالحيوية والطفولة والبراءة ، عندما يلهو بين يدي أمه التي تتابعه عن كثب وترمقه بنظرها خفية كلما ابتعد ، تتبعه جوارحها كلما ابتعد وزادت دقات قلبها واعترتها ملامح الخوف والوجوم خيفة عليه ، فأفسد عليها جلستها على الرمال التي قد جعلها حبها له أنعم من الحرير وأدفأ من الصوف ، وهي مع ذلك راضية بذلك ، وتعود إليها نسائم الحياة وبريق الفرح عندما يقترب منها ويشتعل جوفها حناناً ، ويلتهب حظنها دفئاً وأماناً .

هكذا كانت الروح تتدرج في فضاءات كون الحب بجوار توأمها التي كانت تعانقها في السماء وتحتظنها بين طيات الغيوم ، وتسامرها على قمم السحاب ، عندما وجدتها في لحظة من الزمن كانت لحظات زمن لم تولد بعد ، ثم ولدت في ظروف لم تكن في الحسبان ، وكأنما القدر كان مكتوباً من قديم الأزل ، فلما ولدت تلك اللحظات لم تكن سوى لحظات عابرة ، لم يمهلها الزمن ولم يتح لها الماضي فرصة للحياة في الحاضر ولم يسمح لها بالتطلع إلى المستقبل .

ومع ذلك ظلت معلقة في بروج السماء متمسكة بروح التحمت بها في حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ، تتبعها أينما سارت وتمرح في حضرتها كلما أقامت ، حتى تعلقت بها واندمجت فيها ، فصارتا روحين في جسد واحد ، حتى ذلك الجسد كان يتبع الروح كلما انطلقت وعرجت في السماء نحو جزئها الآخر الذي وجدته وكأنما هي على موعد معه .

وعاشت الروح بروحها تلتقي حتى عشقتها وجعلت من حبها محراباً تخلو فيه لمناجاتها وتخلد إليه كملما خطرت بها خاطرة ، وتأوي إليه لمناجاته في غسق الدجى ، وتنتظر إطلالتها مع إشراقة الصباح الأولى ، وترقب صورتها في حمرة سحق الأصيل .

وظنت أنها قد حوتها واحتوتها فأطلقت العنان لخواطر الحب وبلاغة القول وفصاحة الكلام ، وعذوبة المنطق ، لتقول في حبها وتصف المشاعر ، وتشرح الأحاسيس ، ففاض ينبوع الكلم وجرى على لسان القلم ، فانتظم على الأوراق أروع منطق وأبلغ كلم

أما الآن فقد تبددت الغيوم وانقشع الغمام ، وسارت السحابة ولكن ليست كسحابة عبد الملك وليس لتمطر فيعم نفعها رقعة البلاد الواسعة ، بل لتتهادى في الهجير ، وقساوة الصيف ، وهوى ذلك الطائربعدما أصبح حائراً ، والذي كان يرفرف بجناحيه في فضاءات عشقها ، وسماء حبها وانثنى جناحاه فهوى من علوه وعاد إلى القمم وسكن أعالي الحيود يتلفت يمنة ويسرة بحيرة وإعياء ، وحيداً في القيعان ، مسلوباً على العرصات مشتت الذهن منكسر الخاطر .

وانفصلت الروح وتوارت الأخرى ، في آفاق الكون واختفت في سراب اليأس وأصابت مقاتل الأمل ، وهاجرت مع أسراب الأحاسيس والمشاعر إلى بلاد الذكرى وغابات الضياع ، ثم انطوت في عالم النسيان وتركت بعدها روحاً وجسداً يعتليان قمم الحنين ويسلكان أودية الشوق وأنهار الأنين .

وأعلنت الانفصال وحكمت بالهجر ولاذت بالبعاد ، فغارت قدماي في صحراء الضياع .
تقول نسيتها ، بل وخنتها ، وتحرر الأحكام جزافاً ، دون أن تستشير قلبها عن مدى عدالة الحكم وسلامة الجزاء .
أناديها عبر الأثير ، أناجيها في ظلمة الليل ، أتخيلها كلما أغمضت عيني ، في صور متلاحقة تبدو كل منها أجمل من الأخرى ، كلما فتحت حاسوبي ، ودلفت إلى المرسال أتحدث مع نفسي عنها ، وأمنيها بلقياها والحديث معها مرة أخرى ، فأنتظرها لأشرح لها ، وأوأكد لها أنني أعشقها ، لم أنسها ، لم أهجرها ، لم أخنها ، ولكن دون جدوى .. تمادت في الغياب ، وأصرت على البعاد ، ونسجت من الهجر دثاراً ودثرتني به ، وأجرت من البين أنهاراً وأشعلتها ثم زجتني في خضمها .

ولا زلت أنتظر إطلالتها ، لأطفئ شوقي إليها بالحديث ، والشكوى من تباريح الهوى ولهيب الجمر واللظى ، وسأظل ..
ولكن هل ستعود ؟!
هذا ما سأنتظره .
فإن عادت فأبواب قلبي مشرعة ، أمامها ..
وكلمات حبي مسخرة للبوح لها ..
وقطرات حبر قلمي جارية بالشوق إليها .
لقد كان لجرحها هذياناً في أعماقي ..
ولصدها أرجوحة يتقاذفها القدر .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More