الثلاثاء، أكتوبر 28، 2014

أثقال البراءة .




كم في الدنيا من آلام ، وكم فيها من متألمين !
وكم فيها من أوجاع ، وكم من متوجعين !
عناء بحجم الكون لا ينتهي ولا يطال ، وآلام وبؤس
يدك الأصلاب ويوهن العظام ، وشقاء يمحو آثار
السعادة ويزيل أسارير الفرح

كم هي دنيئة هذه الدنيا ، ووضيعة لا تساوي مثقال
حبة من خردل ولا تساوي عند الله جناح بعوضة ،
وكم صغيرة لا تساوي حجم الألم ، ولا ترحم المتألم ،
لا ترحم صغيراً ولا كبيراً ، ولا طفلاً ولا شيخاً هرماً
تلقي عليهم بآفاتها ووسخها ولا تبالي في أي مكان
منهم أصابتهم ولا تكترث بما يلقون من كبد ونصب .

رخصية وترخص من أغلاها ورعها فوق مقامها ،
دنيئة دني من أعزها وعظمها ، وضيعة تضع من رفعها
ووقرها ، تهلك أهلها بوضاعتها ، غادرة وإن طال لها
وفاء ، تكذب وإن بدا منها الصدق ماكرة وإن أبدت
نواجذها مبتسمة مستبشرة ، فما هي إلا تكشيرة لبؤة
عن أنيابها لتفترس طريدتها .

تشقي من يلتفت إليها ويركض خلفها ، وتغدر بمن يركن
إليها واطمأن لها ، حقيقتها عكس ما نتصورها وننظر
إليها ، ونعرف عنها ، وتتصور كما يراد لها ولكنها لا تبدل
حقيقتها ، وهي في الحالتين صادقة وكاذبة معاً ، صادقة
عند من يعرف حقيقتها ودناءتها ولم يغتر بها لأنه رآها
على حدقيقتها وأدرك دناءتها فكانت صورة صادقة لأنه أراد
أن يراها في وضوع .

وكاذبة عند من اغتر بها ورآها على غير حقيقتها ، فتله حتى
يفتتن بها ويركن لها ويقع في حبها وهواها منيه وتتجمل فما
تلبث أن تتولى عنه وتدبر ثم تتركه يغوص في في وحلها
ومستنقعها ويقع في براثنها .

إذا كنت تريد أن تعرفها على حقيقتها فانظر إلى حالك فيها
فإن كنت سعيد بها وبما قدمت لك ، وبطاعتها لك وانخدعت
بجماله ورونقها ، ناس نهايتكَ ، وآخرتك ، فاعلم أنك قد
وقعت في شراكها ولفت عليك حبائلها فانتظر تحولها عنك تحت
ستار الليل أو في وضح النهار .

تأمل تلك الطفلة الصغيرة ، عندما ألقت الدنيا بثقلها على ذلك
الجسم الصغير والكاهل الغض ، وكيف أنها لم تستطيع إلا أن
تجود بدموع الألم والحسرة ، عندما احتاجت إلى الماء ثم حصلت
عليه بعد عناء ، فلما لم تستطع أن تحمله وحدها ولم تجد من
يعينها على حمله توقفت ثم هبطت إلى الأرض تجود بدموعها في
مشهد مؤلم ورهيب ، تتفطر من القلوب .

عد إلى الصورة وتأملها جيداً ، وتخيل حجم الألم الذي يعتصر
الطفلة ، والحسرة عندما حصلت على الماء بصعوبة ، ولم تستطع
حمله وإيصاله إلى المكان الذي تريد ، ولم تجد من يعينها على إيصاله
، فهي في الحالتين سواء وجوده من عدمه .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الدنيا ملعونة ملعون
ما فيها إلا ذكر الله وماوالاه وعالماً أو متعلماً "

حديث حسن غريب .

فيامن أغدق الله عليك بنعمه وحباك بفضله ، 
لا تغتر بالدنيا ولا تركن إليها ولا تنس أن 
هناك في أطرافها من هو في بؤس وشقاء ، 
ويتوجع ويتألم ويتضور جوعاً ، ويتقلب على 
لهيب المرض والجوع والعطش والجهل ويرزح 
تحت وطأة الخوف والقهر والاضطهاد ، وينام 
تحت هدير القنابل وتكسر الأنقاض ، في الحر والبرد 
والعري ، بينما أنت تنعم بفضل الله تتقلب في نعمائه فاتق 
الله في نفسك أولاً وفي مالك وما رزقكه الله تعالى 
فليس لك وحدك وما أعطاكه الله إلا لينظر هل تؤتي 
الله حقه فيه ، بما استخلفه عندك من مال ورزق ،
 وأطعمت ... ( الطعام على حبه مسكيناً
ويتيماً وأسيراً
) . ولا تأمن لها فإنما هي عرض زائل .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More