الثلاثاء، أغسطس 17، 2010

من الخطاب إلى الغياب ( صراع بين الكينونة واللاوجود )



من الخطاب إلى الغياب

( صراع بين الكينونية واللاوجود )

إنها السنن تخط أقدارنا وتحدد مسارها ، وترسم طريقنا على شرعتها ومنهاجها ، لا يحيد عنها أحد ولا يستطيع أن يعذلها أو يغير في قوانينها ، أقدار كتبت في الأزل وآمال نتطلع إليها ونسير نحوها على عجل ، فمنا من يجدها ومنا من يراها قد عادت إلى غياهب الأزل ، وصارت عنه في معزل ، فيقف مكانه في حيرة ووجل ، لا يستطيع أن يصل إليها ولو كثرت لديه الحيل .

كنت أخاطبها بأناجيكِ وأعشقها بأعشقكِ ، وأحبها بأحبكِ ، وأهواها بأهواكِ ، وأغار عليها بأغار عليكِ ، حتى اندمجت الروح في عالم الخيال بخيال أمل وصنعت منه كينونة موجودة تسعى نحوها لتحظى بها وتحققها ، كانت الروح تسبح في عالمها وترفرف نحوها بجناحيها ، حتى تجدها في مكان ما من ذلك الفضاء الواسع ، كانت ترى روحها على خط الأفق البعيد ، تتوهج بضياء هادئ حالم ، كأنها كوكب دري ، فتهفو إليها كما تهفو الفراشة إلى بصيص الضياء وتحلق نحوه وتحط عليه ، أو من حوله .

فلما وصلت إليها وجدتها مجرد ضياء وهمي قد زالت عنه هدأته وروعته وضعف توهجه ، وبهتت صفحته ، فتقدمت إليه ومدت يدها لتلمسه وتتحسس جسدها وتشعر بدفئها ، فإذا به ظلمات ورعد وبرق ، كلما أضاء لها تقدمت نحوها خطوة وإذا أظلم توقفت مكانها ، حتى استعادت يدها فإذا بها قد احترقت ، ونظرت إلى تلك الروح قد ولت وهربت ، وتوارت من جديد ، وانطلقت إلى عالم اللاوجود ، وسكنت فيه إلى الأبد ، وتركت فضاءها بما فيه ، كانت تعيش فيه مجرد سراب تبدى في أرض خراب ، فعادت الروح منكسرة محترقة ، باهتة اللون شاحبة الوجه ، نحيلة الجسد ، خائرة القوى محطمة النفس ، خائبة الأمل .

فتحول الخطاب فأصبحت أناديكِ أناديها ، وأعشقكِ كنت أعشقها ، وأحبكِ كنت أحبها ، وأهواكِ كنت أهواها ، وأغار عليكِ كنت أغار عليها . وانقلب الخطاب من الخطاب إلى الغياب حتى انتهى تماماً وانكفأت النفس وعادت تلملم شعثها وتجبر كسرها ، وتحضن جسدها وتعزيها .

وهكذا انتهى ذلك الصراع الدائر بين أن تكون الكينونة موجودة أو يكون الوجود لا وجود فكانت الأخيرة ، وانتهت الكينونة وذابت في عالم اللاوجود .
فوداعاً لها أبدياً يبقى خالداً على مر العصور ، وإن أشرقت شمسها مرة أخرى ، فيكون جسراً مثلوما يخر عندما تريد العبور ، وسوراً عالياً وسداً منيعاً ، فقد عزت النفس وتعزت ، وضمدت جراحها وإن لم تندمل ، وبقيت تحت رماد الزمن تهيج في كل حين في صور من الذكرى المؤلمة ، وأحلام قاتلة ، وآمال باهتة غامضة .

ووداعاً أبدياً لا لقاء بعده كما ودع القيصر آسيا الصغرى بعدما لاح نور أضاءت له بصرى من أرض الشام ، ووداعاً كما ودع كسرى عرش فارس بعدما خمدت النيران وسقطت شرفات الإيوان ، ووداعاً ياملهمة كانت تتنقل بين سطوري كما تتنقل الفراشة بين الورود والأزهار . ووداعاً كما ودعت الروح الجسد وشخصت إلى بارئها .

وسلام عليها وإن رحلت ، وسلام عليها في غيابها ورحيلها ، وحياتها وموتها ، وفي الجب الذي هبطت إليه وفي العالم الذي انضمت إليه . - وسلام عليها يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث - مرة أخرى .


2 التعليقات:

حينما قرأت تدوينتك هذه تذكرت مقولتين
الأولى
{ دوماً البدايات تبدو مدهشة }
والثانية
{ الأشياء التي تأتي متأخرة لاقيمة لها}
حينما نحب نتحول الى عُشاق نهيم على ارض من خيال وبرزخ من وهم
وكما تبدو الأشياء مدهشه تبدأ بالإنكسار لتصبح مميتة وقاتمة ولاملاذ فيها ولا لون


خاطرتك مؤلمة نوعاً ما
كلما اقرى اكثر في الحب كلما اشكر ربي اني لم اجتز اي سلم الى الحب وحتى إن بدأ فإنه يكون بصمت


بإنتظار بقية تدويناتك الرائعة

ربما كتب على المحبين ألا يجتمعوا أبداً ، لذا تجدين أن أكثر كلام أهل الحب عن الفراق والبين ، ولذلك لا أنصحكِ به وإن كان فيه حياة خاصة ربما هي الجانب الخفي من الإنسان والمظلم والجميل في الوقت نفسه ، لأنه يجعل الإنسان ربما شاعراً أو كاتباً أو ملهماً مفتوق اللسان ويجعله يتمتع بجانب سري غامض وإحساس مرهف ومنطقة حساسة بحدود ذات خطوط حمراء يسعى أن تكون بعيدة عن الأنظار بل حتى بعيدة عن العالم بأسره .
ولكن للأسف يا سيدتي لم يعد هذا الزمن صالحاً للحب والعشق والغرام لأنه قد ذابت فيه كل القيم والأصول وذهب كل معاني الحب والوفاء والإخلاص وأصبح زمن الهروب إلى الذات والانطواء عليها ، بل زمن الخداع والكذب والبهتان .
لقد ذهب زمن وأمة المثاليات وخلت أمم المعتقدات والعقائد الصارمة الصادقة النقية .
لذا حاولي أن تكوني بعيدة عنه بقدر الإمكان وإن كتب لكِ أن تعيشيه فتأكدي أنه سليم من روح العصر الحديث ، وأن الروح التي فيه روح قديمة حتى لو كانت جاهلية ( ولا أقصد بالجاهلية هنا الطيش والنزق أو المعتقد بل الأخلاق والمثاليات الأصيلة المحببة ) .

مع أطيب المنى لكِ بالتوفيق .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More