الجمعة، يوليو 15، 2011

بعد عقدين من الزمن .. إلى أختي الصغيرة .



ألم تكن العشرون عاماً الماضية كافية للفراق ؟ كانت حافلة بالشوق والحنين ، لم أعد أتذكر آخر مرة رأيتكِ فيها ولم تعد صورتكِ مرسومة في خيالي ولا أعلم كيف أنتِ الآن ، بعد أن أضعتُ قسمات وجهكِ وملامحه . لأنني رحلتُ عنكِ وأنتِ صغيرة ، ووجهكِ تعلوه ملامح الطفولة وجمال براءتها ، وروعة الصبا . 

إنني أتذكر قسمات وجهكِ الأبيض المدور الجميل ، عندما كنت في عمر الزهور ، وبين أحضان الطفولة والنقاء . أما الآن فقد مرت عشرون سنة فأخفت وغيرت تلك الصورة فغاب عني شكلك وهيئتكِ ، وحتى صوتكِ ونبراته . 

أختي الصغيرة : 
علمتُ أنكِ قد تزوجتِ منذ زمن بعيد ، وأنجبتِ البنات والبنين ( حفظهم الله لكِ وحفظكِ لهم ) ثم رحلتِ إلى بلد بعيد ، لتمر الأيام والسنون وتتابع والبعاد يلفها ، والشوق إليك يتراكم في أعماقي ، أتمنى أن أسمع صوتكِ أو أراكِ ولو كان
من بعيد . 

عندما وصلت إلى الديار ، وبعد سويعات من وصولي علمتُ بأنكِ ستأتين أنتِ أيضاً ، فلا تتصوري مدى الفرحة والسعادة التي غمرتني عندما علمتُ بذلك ، لأنني سألقى ( أختي ) التي توارت عني لعقدين من الزمن ، وأحتظنها وأقبل جبينها الوضاء ، ذلك الجبين الذي ليس لدي صورة له الآن سوى تلك الصورة الصغيرة المليئة بضياء الطفولة والبراءة ، والهدوء الوقور . 

فرحت عندما علمتُ بأنني سأضم يديكِ الصغيرتين بين كفيَّ وأتلمس فيهما دفء الأخوة ، وأمحو بدفئهما لهيباً من الاشتياق ظل مضرماً لعشرين سنة كاملة . 

ولما وصلتِ إلى الديار زادت الفرحة وتيقنت بأنني سألقاك لا محالة ، وأدخل كل تلك السنوات إلى إرشيف الزمن السحيق وأرسم في مخيلتي صورتكِ الجديدة ، لأحلها مكان الصورة الأولى التي لم يعد منها سوى بقايا كورقة مهشمة الآطراف محترقة ، مثلومة الجوانب كأنما أكلتها دابت الأرض بعد طول السنين . 

ولا زلت أنتظر قدومكِ وإطلالتكِ البهية ، ولكن رغم هذا القرب هاهي قد أزفت ساعة رحيلي أنا أيضاً وعودتي إلى حيث أتيت ، دون أن أراكِ يا أخيتي ، لتستمر سنوات الضياع وتتمادى في صلفها وجورها ، وتبعدني عنكِ من جديد لزمن غير محدود ، وفراق متواصل قديم وجديد . 

لم أعد أعرف كيف أعيش ، وكيف تسير حياتي ، إنها مليئة بالحب ، والأشواق ، والحنين ، وخليط من المؤثرات المتتابعة المتلونة ، كخليط من الألوان الثقيلة القاتمة ، الأسود والأحمر والأبيض ، والرمادي ، والأصفر ، والبنفسجي ، فتشكلت كتلة من الألوان العجيبة المقيتة ، وأنا بينها أتردد تلون حياتي باختلافها وطغيان ألوانها . 

إنني أتحامل على نفسي تحامل اليائس من الحياة الغارق في ألم الجراح ، فأهدئها بالمنى وبالأمل ، وأمنيها بأن غداً سيكون يوماً جديداً تعيش فيه بلون واحد ناصع البياض ، مخضر الجوانب معشب العرصات ، صافي السماء ، حتى لم تعد تصدقني ، وأصبحت تلك الوعود ضرباً من المستحيل ، وكلما مر يوم دون تحقق الوعد تعود النفس إلى غياهب الظلام ، وتنكفئ في غيهب الغيب والمجهول ، وتنثر بهمومها وأحزانها بذرات الشيب على جانب مفرقي ، وتخط بزرعه رأسي ، وتجعد ناصيتي ، حتى لكأن تلك التجاعيد مدونات من الأحداث المريرة خطتها يد الزمن ، وطوتها في أعماقي لتكون كتابي الذي أقرأ في صفحاته الحزن ، والألم ، والأسى . 

لم يبق سوى أيام قليلة جداً لأرحل دون أن ألقاكِ . ثم تبدأ السنين في العد من جديد
فإذا رحلت قبل أن أراكِ فاعلمي يا أخيتي أنني كنت أتحرق شوقاً إليكِ ، حتى أصبح نبضات قلبي تتوالى بالشوق والحنين ، وإذا كتب ألا نلتقي إلى الأبد فلعلي سألقاكِ في جنة الخلد بمشيئة الله تعالى ، وإذا علمتِ بأنني قد ووريت في التراب فاعلمي أنه كان بين جوانحي قلباً ينبض بحبكِ والشوق إليكِ ، ونفس كانت مترعة بالأماني وآمال لقائكِ . 

عيشي بسلام أخيتي .. ولتهنأ لكِ الحياة ، ويطول عمركِ في طاعة المولى عز وجل . 

0 التعليقات:

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More