الاثنين، فبراير 28، 2011

أم قاتلة






في رحم الأيام ، وأحشاء الليالي تكون حب من ماء نسمة الأثير ، وتكون وتخلق
حتى صار حباً في عنفوان الشباب .
حب جنين ، ثم وليد ، ثم سما حتى بلغ عنفوان الشباب ، ولد ولم يولد ، وعاش ولم يعش
وصار حباً ولكن لم يكتمل ، بينما معانيه ومعاناته قد صيرها القدر وحكم بها ، ولد في النفس
ووجد في القلب ، فصار حباً حقيقياً له أشجان ، وأحزان ، وأنين ، وحنين ، وذكرى وذكريات
وذاكرة تدور في عالمه وتلف الروح وتبرم النفس والجسد ، سكن في القلب وعاش فيه وترعرع حتى إذا كبر وصار في عنفوانه وظننا أننا قادرون على تحقيقه وتلبية مطالبه ، وصيانته كما يجب أن
تصان نفس وتراعى روح ، وهذا من دواعيه وحقوقه ، وضروراته ليسمو ويكبر ويبقى أبد الدهر يتوجه تاج القداسة وصفاء الشراكة وعقود الوفاء .

ولكنه ولد ميتاً بعدما كبر .. إنها معادلة صعبة ومعقدة أن يتخلق شيء ويتكون في مستقره حتى تكتمل المدة اللامة ليخرج ليرى النور ثم يشب ويكبر ثم نعود ونقول إنه ولد ميتاً .!
فهل ذلك عائد للصيغة التي تكون بها ، وتمثلت أجزاؤه وتكونت ، أم أنه كبر وكبر حتى بلغ أرذل العمر ثم فقد فكره ولبابه حتى عاد كالطفل الوليد ؟
أم أنه أطلق عليه اسم الموت لأنه ميت أصلاً حتى وإن بلغ من العمر عتياً ، ولو بلغت قوته ومتانته عنان السماء . وأن تلك الآثار المتبقية بل الساكنة في النفس هي أثار الحزن لموت مخلوق ، أو آلام فراق مجهول غير واضح الملامح والخطوط ، حتى بقيت تلك النزعات في النفس ذكرى كأنها شبح خلف حاجز شفاف لا يمكن تحديد معالمه وصفاته من خلاله ؟

إنها هي التي ولدته ثم ربته وأرضعته بحنانها وحبها وغذته بعطفها وأنوثتها ، واحتظنته وأدفته بحرارة حجرها وأنس دفئها ، ثم ربته حتى شب ثم كبر وكبر ولازال يكبر وبعد ذلك قتلته ، بل وأدته في مهده بالنسبة لها ، وقتلته كبيراً في حياتي ، وأعماقي ، وتركتني أعاني وأكابد وأد الطفل ، وموت الكبير ، ومعانات حمل أعظم مقبرة للحب في داخلي ، كان ملكاً متربعاً عرش فؤادي فتركته قتيلاً وهو جالس على عرشه ، لم يدر عن موته إلا أنا ، كأنه نبي الله داود ( مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) ولكن الفرق بين هذا وذاك أن دوود عليه السلام مات ثم ووري التراب ، وعلمت الجن بذلك ، أما أنا فلم يزل على عرشه كأنه تمثال عظيم ، فأصبح معبداً للحب أتلو عنده كلمات الحب وأغفو في كنفه لأستلهم الأيام والذكريات التي لم أرها ، وأرسم وأتخيل صوراً متفرقة شتى ، فتعددت الصور في مخيلتي ، وتشابهت علي ، بعدما كانت صورة واحدة أتقنت وتفننت في رسمها وتصويرها ، وتاهت النفس تشتت الروح بين تلك الصفحات والصور حتى صارت تظهر أمامي تومض كما يومض البرق في جنبات السماء في جنح الظلام وتراكم الغيوم .

نعم .. أنتِ .. الأم ، والقاتلة ، وأنا الفاقد المحزون .
أنا المربي لذلك الحب وأنتِ التي وأدتيه في مهده بين أحضانك طفلاً
وحطمتيه بين جوانحي بالغاً يكبر كل حين .. ترويه الآمال ، وتنبته الأحلام
وتعززه التطلعات وتوطده الأماني والآمال .

مات فيكِ وتوارى في عالمكِ ، ودرس في أرضكِ ، وبلي في أطلالكِ .
وعاش في داخلي ، ووضح في واستقر على أرضي ، وتجدد وارتفع على قمم أطلالي .
حب نصفان .. حي وميت .. كله حي لدي ونصفه ميت لديكِ .
كلٌّ هنا .. ونصفٌ هناك .. وأشلاء عند قدميكِ ، وجثة هامدة في أعماقي .

2 التعليقات:

رسـالهـ تحمل بين طياتها الكثير من العتب ,.,
لكنها تروي قلب محب كان كما ذكرته انت..
اظن ان الموت جاء من القدر او من النصيب..
والحب ولد من التحدي ..
لاداعي لان تبكي جثة هامدة لربما انت اقدر الناس على احيائها ..
او لربما ان الروح انتقلت لتعيش في عالم آخر بجمال وراحة تلمسها هي,,
صدقني
الأشياء التي تموت بطيئة هي ذو قيمة اكبر لأنها عمرت كثيرآ وماتت بشكل ابطئ ..
بعكس تلك الأشياء التي تموت بسرعه وما ان تلبث ان تتنفس الصعداء لبداية جميلة حتى تلفظ نفس الروح وتنتهي..

ماذكرته انت كان يستحق القراءه
واعذرني لنقاشي لكنها مناجاة لحرف ارى اني قد فهمته

شكرآ لك وتقبل وجودي هنا

إيه يا أنثى السماء ..
أحاول إحيائها ، ونفخ فيها من روحي لتحيا بين جوانحي ، وتتربى في أعماقي من جديد ، وترفل بثوب حب سندسي مخضر بماء الحب ، وتراب الغرام ، ولكن الروح التي أنفثها باتت هزيلة ، والجسد لم يعد يقوى على التحامل على الهوى ، ليس ضعفاً في حب ، أو وعثاء ركض للهروب ، بل من الجفاء والهجر ، الذي أشعل النار بداخلي ، ومن ذلك الإصرار الغريب الذي ينهجه الطرف ويتمسك به ، دون مبرر أراه مقنعاً ، أو سبب يحل له ذلك .

ما أشد الوحشة التي تنتاب الإنسان وتنحشر بين أضلاعه ، وتستولي على ثباته وتبدد أمنه واستقراره عندما يجد نفسه جليس جثة هامة ، لا روح فيها ولا حياة ، ولا جليس له إلا هي ، ينظر إليها وهي ممدة أمامه بين نسيج الكفن الأبيض ، كأنها تتحدث إليه وتنبئه عن الموت وعن حياة أخرى سيتوجه إليها في يوم ما ، فتزداد الوحشة وتستحكم عليه حتى يتخيل مصرعه وينزل إلى قبره بنفسه وهو غارق في تفكيره وتصوير المستقبل الغامض .

ولكن جثة الحب عندما تكون محمولة بين الشراسيف ، ميتة حية ، أتخيلها نصفين نصف ميت والنصف الآخر حي يتعذب بالنصف الآخر ، لا تبدو عليها علامة الموت كما هي الحال على ثجة حقيقية لجسد حقيقي ، بل لها نسمة وذبذبات تؤثر على الروح والجسد وتبعث في الداخل حنيناً يعتصر القلب والنفس تعززه صيحات الألم والأنين .
تبقى ساكنة بشموخ في الأعماق تعيش وهي ميتة ، وتعذب وهي ميتة ، وتنبعث كل حين في عرصات الروح وتحشر الذكريات المؤلمة ، والحزينة ، والسعيدة وكل طقوس النفس التي تتعاقب عليها في كيانها ، فتصبح تلك التغيرات والطقوس مطارق أشد وأثقل من زبر الحديد ، وصلابة القطر ، وحرارة الرصاص الذائب .
وحق للنفس أن تنبعث منها أبخرة الحريق المتصاعدة المخلفة روحاً من الرماد ، وجسداً متهالكاً وقوى خائرة ، وعظاماً نخرة .
الموت البطيء ما هو سوى زيادة في العذاب إن نهاية فناء وعدم ، ثم تراب يعود إلى باطن الأرض وفيه راحة هناك ، ولكنه أشد وطئاً عندما يكون موتاً بطيئاً حتى تحرش النفس وتبلغ الحلقوم ثم يستصيغها الإنسان مرة أخرى فتعود إلى أطراف أصابعه من جديد ثم تعود مصعدة في الجسد حتى تصل إلى الحلقوم مرة أخرى ، فلا تجد منفذاً فتبقى متأرجحة بين أصابع القدم والغرغرة في الحنجرة بربكِ أليس ذلك أشد عذاباً وأشد وطأة ؟!
والأشد من ذلك عندما تكون تلك اليد الحانية ، والروح التي سكنت في الجسد والتحمت مع الروح يوماً ، والأدهي من ذلك عندما يكون المسبب لذلك موجود وينظر إلى تخبط الآخر ومصارعته للموت كالذي يتخبطه الشيطان من المس ، يعالج روحه متمنياً موتاً حقيقياً مريحاً .
---------------
لقد أسعدني تواجدكِ هنا وهو يسعدني على الدوام ، وتسرني رؤية حروفكِ ونزف قلمكِ في صفحاتي ومدونتي .. ولا أملك إلا أن أشكركِ وأقدر لكِ هذا التواجد وأسعد به .
سأضع هذا التعليق هناك . واسمحي لي بأن أضعه بهذا العنوان .

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More