الثلاثاء، يونيو 26، 2012

بين طيات المعاجم أهمس باسمك ..







هل رفع القلم أم جف الحنين ، أم تنثرت المشاعر وألقت بها الأحداث في مكان سحيق ؟
أم أن الأوراق قد جفت وطويت صحائف الماضي بما فيه من الحنين ، والأشواق والإحاسيس ؟
لمَ الهجر والجحود ؟ والنأي والبعاد ؟
أليس أنا من لاعني الشوق إليكِ ، وأتعبني السهاد والكرى من أجلكِ ؟
أليس أنا من توجهت إليكِ بكل كياني ، وأسرفتُ في اللحاق بسرابكِ و الحديث ومناجاة خيالكِ ؟
سلكتُ طريقكِ رغم ما بها من أشواك ، واقتحمت العقبة تدفعني إليك الأشواق .
وتوجست خيفة عليكِ من النسمة ، والهوى ، ومن الزرع والعشب الذي تداعبه يداكِ كل يوم ،
وغِرتُ على أعطافكِ من ثوبكِ الناعم وعلى صوتكِ من آذان السامعين ، وعلى راحتيكِ من نصل المنجلِ
وعلى أثركِ من قمم الطلل ، ومن أغصان الشجر التي تداعب جسدكِ عندما تمرين بينها .

ظلت روحي تتبع طيفكِ في الأرجاء ، وطغى خيالكِ على صور لبي ، وذبذبات ذاكرتي ، وصور مخيلتي
حتى استوطنتِ مني كل جزء في كياني وسكنتِ ، لامس عشقكِ كل ذرة من أعماقي ، وتغلغل حبكِ في قعر باطني و فوق سنام ظاهري ، حتى أصبحتِ جزءً مني .. أهمس باسمكِ ، وأنا أتصفح بين طيات المعاجم ، وتطرئين على فكري وأنا مستغرق في قراءة كتبي ، حتى لم يعد مع الكتاب سوى بصري أما فكري وعقلي فقد سرح يتأملكِ ، ويتذكركِ ، حتى أصبحت كأنني أقرأ اسمكِ في طيات تلك الكتب والمعاجم وتصورت أن تلك الحروف ليست إلا اسمك .

كيف تسحريني ثم تسلبي لبي ، وتقتحمي كياني ، وتستعبدي فكري ، وتملئي ذكرياتي ، وتسيطري على مهجتي ثم تبتعدي عني ، وتتركيني ؟ 


هل كنتِ في ذلك مرغمة ، أم خائنة .. ؟
أم منهزمة أو خائفة .. ؟
ابتعدي عني كيفما شئتِ ، أو اقتربي حتى أجد دفء أنفاسكِ يدفئ جسدي البردان من هجركِ
فأنا أحبكِ وسأظل أحبكِ رغم كل ذلك .

الجمعة، يونيو 01، 2012

حديث الصمت .


في أطراف المدينة  حيث كنت أنتظرها لتأتي وما هي إلا لحظات ونور وجهها يحاكي نور القمر ويلتقيان في الجمال والهدوء وتنفس المشاعر ، جلسنا وافترشنا التراب ثم تأملنا بعضنا ملياً دون أن ننطق بكلام ، تركنا لأحلامنا مساحة الرسم والتصوير ولمشاعرنا فرصة الحديث الصامت مع بعضها ، ولأحاسيسنا لحظات اللقاء الهامس . تحدثنا صمتاً لبرهة وكأننا لا نجيد النطق ، واستغرق كل منا في النظر إلى وجه الآخر وهي تشيح بوجه الخجل عني حتى لا أمتع ناظري بذلك الجمال المتشح به وجهها البهي ، ثم امتدت يدانا بمشاعر الحب دون مشاعرنا حتى التقتا والتصقتا بعنفوان الحب والغرام . وظللنا جاثيان تحت قطرات  الندى ، في تلك الليلة الفاتنة الجميلة ، التي سرى فيها البدر يرقبنا من خلال ضباب الليل وكأنه يتجسس علينا تجسس الغيران ، فيطل علينا من خلف الغيوم ويحتجب عنا تارة بين الضباب ..
يالها من ليلة رائعة استنشقنا فيها نسمة الحب ورويناها بنسمة الوادي العليلة ، ورذاذ الضباب كأنها تسكن فينا فورة الحب ، وتروي شجيرة الحب وتغرسها في الفؤاد .
 

الاثنين، مايو 21، 2012

صدأ ...

 ترى هل تصدأ الأوراق ؟ هل يصدأ القلب ؟ 
أسئلة على طاولة الصدأ .
صدأ هو صدأ وليس ( صدى ) حتى لا تلحن في القراءة 
أو تتهمني بأنني أخطأت في الإملاء أنا أعني الكلمة ( صدأ ) بحروفها ومعناها ومضمونها . 
سأتكلم عن صدأ القلب بحسب ما تمليه علي مخيلتي ، وواقعي الذي أعيشه ، فأنا أتنقل بين الكلمات  وأبحث أن آفاق واسعة أبحر فيها ، أتسلى بالبحث والتنقيب عن الكلمات التي تعبر بجزالة عن كياني والعبارات التي شفي صداها وجزالتها ما يعتلج في أعماقي.


هل تصدأ القلوب .. وكيف تصدأ ؟ 
وماهي أسباب ذلك ؟ 
هل القلب هو الذي يصدأ أم الفكر ، أم الذاكرة أم المخيلة هي التي ترتبك في التصويروالالتقاط والرسم ؟ 
هل من صحة التعبير أن أطلق هذا المفهوم ( صدأ ) على القلب أم أعبر عن عزلته بتعبير آخر ؟
كالهجر مثلاً ، أو الصد أو البعد أو الحرمان ، أم بتعبير آخر قد يكون قريباً ولطيفاً كالران الأخضر الذي يغطي الصخرة 
الدائمة في الماء ( الطحالب ) لطول بقائه في نهر الحب الجارف دون اهتمام ، يتجرع النسيان ، والهجر ويزدرد الصدود ؟ 
أم أن الصدأ قد أتى عليه وتآكل مع العوامل وبقاؤه في العراء مرمياً مهجوراً منسياً . 
شعور في أعماقي كالموج يتقاذف حياتي ، يعلو بها تارة ويخفض تارة أخرى ، ورياح عاتية تعصف بزرع حدائقي وتساقط أزهارها ، وانجراف يهدم جوانب نهري لينتشر ماؤه العذب ويجف في جنبات الصحراء ، أويتقوقع في حفر الطرقات فيأسن ويتغير طعمه ولونه ورائحته . 


لا أدري عن أي شيء في داخلي أعبر وأدون .. 
هل عن الحب والغرام وأتجاهل الزمن الحاضر ، وأكف عن التفكير في المستقبل الغامض ولو أن ملامحه باتت تتبدى
نوعاً ما . 
أم أكتب عن الحاضر والأحداث التي تعصف بالأمة وتكالب الأمم على أمتي ، وضعف أمتي بل تخاذلها ووهنها وحبها للحياة
وكراهية الموت . 
أم أكسر ريشة قلمي وأهريق مداد محبرتي ، وأمزق أوراقي ، وألتمس مضمون حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير مال الرجل آخر الزمن شويهات يلحق بها شعف الجبال ( أو كما قال ) . 
أجد قلمي يتأرجح بين هذه وتلك ، وربما يقصر عن تلك ليبقي في الأعماق هموماً مكبوتة وفي الذاكرة صوراً باهتة تصارع 
للخروج والبروز في المخيلة في كل حين .
كلما وضعت رأسي على وسادتي تنهمر علي كزخات المطر فتبدد نومي وتصدع برأسي . 
كلما استويت على فراشي من مرقدي تتبادرني كما تتبادر الذر قطع الحب الصغيرة فتنهشها من كل جانب لتفتتها حتى يسهل حملها ومن ثم اقتياتها . 
إنه الصدأ وليس الصدى .

الاثنين، مايو 07، 2012

صخب الذكريات .



أين أذهب من ذكرياتي ، وتلك الصور الجميلة
التي تخترق جدار صمتي ، وحاجز غفوتي ، وتلك الهمسات
الرقيقة التي تضج في أعماقي ، وتتهدج في كياني ، وتلك الصور
التي تتهادى في سكون ليلي ، كشعاع البرق في ليلة ممطرة
يتخلل السحب ، ويضيء في جانب الضباب ، على خيط الأفق البعيد .

أين أتوارى من أصوات الذكريات التي تتزاحم في أرجائي لها حطيم كحطيم
اللهب في أجزاء جذع يابس ، لها أزيز في سكوني ، وضجيج في هدوئي
تجبرني على الإنصراف إليها وإن زعمت أنني سأتحاشاها ، أو أهرب منها

كلما هربت منها وتظاهرت جدلاً بأنني أشيح بخيالي عنها لا أجدني إلا قد غرقت
في بحرها ، أجدف بمجاديف الأحلام والآمال ، وأشعل في مشاعري نار الآهات
والتحسر .

تشتعل في داخلي كما تحترق الورقة البيضاء ، سرعان ما تغدو رماداً تذروه الرياح .
أين أذهب من ذلك الصخب الذي استولى على سكنات راحتي ، وأقض مضجعي
...
تحيط بي من كل مكان ، وأجدها في كل شيء من حياتي ، في القلم .. على الورقة
في فراشي .. وعلى وسادتي .. حتى في زادي وشرابي .. في ملبسي .. في مناسبات
الأعياد .. والأفراح .. والأحزان .. حتى في سير الأيام واهتزاز الاغصان .. وسامقات الأشجار
في صوت خرير النهر وجلبة السيل في الوادي وفي انتشار الضباب وهو يسح على الهضاب
ويعلو القمة ويكسوها كأنه عمامة شيخ جليل .

كلما صرفت ذاكرتي عن تلك الذكريات لا أكاد أصدق ذلك حتى أجدني في أعماقها ..
أكتب وأدون ، وأحاول التعبير عما يجيش في كياني من زحام وتراكمات من مرور الزمن
وتتابع الأيام ..
أجدني أقف على مشارف الطلل رغم بعدي عنه .. أجول في أنحائه بخيال كله حنين وأنين .
وأعيش فيه خيالاً كما عشت فيه حقيقة ذات يوم ولكن بشعور مختلف عن ذلك
بشعور يكسوه الوجد والفقد .. أعيش فيه وحيداً دون جزئي الآخر الذي طالما حلمت
بأنه سيكون ملتحماً بي يوماً .. ظلتُ أتابعه بجوارحي ، ومشاعري وأحاسيسي البريئة
عاكفاً على محراب تأمله وتذكره .

أخبروني بربكم أين أذهب من تلك الذكريات المحرقة .. وأين أكتم تلك التنهدات العنيفة
هل علي أن أموت كي أرتاح ؟
هل علي أن أعود طفلاً كي أكون بريئاً !
ما أجمل البراءة والطفولة .. ليتني أعود طفلاً لأعيش بنقاء طفولتي وأموت ببراءتي .

السبت، مايو 05، 2012

الرحيل إلى المستقبل الجميل .


أين أذهب وماذا أفعل ؟ 
عندما تجفوني الكلمات ، ويخبو شعاع الأمل ، وتأفل شمس . 
عندما يضيق الأفق أمام ناظري ، وتخبو الشمس خلف أطلال الذكريات .ويموج البحر قمماً من الأمواج المتلاطمة ، ويصخب أمواجاً عاتية .
عندما أسمع دويها وتأرجحها على صخور الشاطئ المضطرب من ارتجاجاتها . 
عندما تذبل الزهرة التي طالما اهتزت وتراقصت على أنغام الرياح الهادئة ، وتنفست بأريج النسمة اللطيفة . 
عندما تموت وردة حمراء  كانت تتوهج في أرجاء بستان الأمل ، ويعبق أريجها في الأرجاء . 
عندما أحضر ورقتي وأمسك بقلمي ثم أستجمع إلهامي ، وأبحر في لجج الكلمات بحثاً عن المفردات التي تعبر عما يجيش في أعماقي ، فأجد أن ذلك يأتي إلي بصعوبة ، وأجد أن أنفاسي تكاد تختنق في لجج الكلمات ، فهل أصابتني عين ، أم رماني حاسد بسواد صدره الحقود ؟ 
أم أن رحيل من حولي وشعوري بالوحدة ، وخذلان من كان معي لي ، صار صدمة قوية فأعيتني . 

أم أن الأحداث الجارية ، والأيام المتسارعة ، والشعور بأن ما سيأتي سيكون مختلفاً كثيراً ، هو الذي حتم علي علي السير في اتجاه آخر ، وأبحث عن مراتع أخرى للكلمات . 

نعم نحن على مشارف عالم جديد مختلف تماماً عن العالم السابق ، نحن على مشارف زمن العودة بعد الغياب .
نحن على جادة العودة إلى عالمنا الصحيح الذي خلقنا له ومن أجله
ولكن هل سننسى كل شيء ؟ 
هل سننسى الماضي ؟ هل سننسى الأحبة أو ينسوننا ، هل سيتخلا عنا أحبابنا ، وهل سينظرون إلينا كأشياء جديدة .
تماماً كما سيكون ذلك العالم جديداً ، أم سنعود جميعاً بقلوبنا إلى حقبة كانت من الزمن الماضي ، من الحب والصدق والإخلاص والوفاء ، عصور الكلمة الصادقة ، والقلوب الصافية ، الطاهرة ؟ 
أم ستطغى على النفوس والمشاعر والقلوب مشارف الساعة ، ومشاعر الوقوف ؟ 

إن الأيام القادمة ستكون جميلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، ستكون رائعة بكل ما في الكون من جمال وجمال ، ولكن ستكون لها إرهاصات ومقدمات صعبة للغاية ، ولن يصل إليها إلا صابر مجالد ، قوي ومخلص ، ولن يصلها إلا ممحص قد عركته أحداثها وصقلته فتنها ، وقارعته مخاطرها ومصائبها ، إنها مرحلة أشبه ما تكون مرحلة الامتحان الانتقالي من مرحلة إلى أخرى ، فمن صبر وثابر اجتاز الامتحان ، وعبر القنطرة ، ومن يئس وتململ وتضجر أخفق وتقطعت به السبل ، ثم انحدر إلى قعر هاوية عميقة ، وتقاذفته الفتن حتى يهلك وقد خسر كل شيء . 

الأحداث تتسارع ، والآيات تتلاحق ، والعبر تمر أمام أعيننا دون اعتبار ، والشواهد تبرز لنا كل يوم ونحن غافلون .
( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) . 
ستبقى الأحبة في الفؤاد وإن رحلوا ، وتبقى الذكريات مراتعاً بعد الرحيل . 
 


الأحد، أبريل 15، 2012

وألقاكِ رغم غياكِ .

أشتاق إليكِ كلما ابتعد الزمن وتوالت الأيام ، ومرت السنين .
تعود بي الذكرى ويهفو إليكِ القلب عندما أقف على الطلل البالي
أقف على أعتابك أستلهم خيالكِ وأشتم بقايا عبيركِ وأنصت بخشوع
لهمسات الطلل عسى أن أسمع فيها همسكِ ، وأجدد حبكِ وأروي به ضمأً
فؤادي ، وأجدد ولاء الهوى والعشق لكِ من جديد بالهيام والذكرى .

أتيه على مشارف الطلل وأتجول روحاً في ارجائها بينما أنا واقف على أطرافه
كالعابد الواقف بخشوع في محراب العبادة ، وليس بي إشراكاً ولكن أداوي جراحاً
أبت إلا أن تلتهب من جديد كل حين في داخلي .

أعود إليك رغم ذهابكِ وألقاكِ رغم غيابكِ ، وأعشقكِ رغم ابتعادكِ ، هيامي بكِ يتجدد
ويكبر بكبر الزمن وتمادي الأيام وابتعادها ، ليس كبراً يفضي إلى الشيخوخة والكهولة
بل يكبر فيزداد قوة وفتوة ، فالحب يكبر ولكنه لا يشيخ فيعجز ويهرم .
وكلما ازداد قوة وكبر يقع ذلك على قوتي فهدها وشبابي فيفنيه ، وقلبي فيضنيه
وجسدي فينحله .

رويته بإحساسي وغذوته مشاعري ، وزرعته في أعماق ذاكرتي وعقلي فنبتت جذوره في فؤادي ، فأنت أول فتاة تتناول قلبي وتزيحي عنه الجوانح وتبسطي إليه يديك الطاهرتين وتجذبيه إليك وتقبضي بالحب على أجزائه ، فتوجهت إليك بمشاعر وأحاسيس نقية لم يمسها أحد سواكِ ، فارتسمتِ على كل جزء منه وثبتت في كياني
مودتك .

( أنت العين ، والأماني ، واليُمْن ، والشوق ، والهيام ) . أصبو إليكِ بكل كياني وتطلعاتي .
فغيبي ما شئتِ من الزمن ، ومارسي ما استطعت من صنوف الهجر ، واسلكي ما خطر لك من طرق البعد والبين ، ثم عودي متى شئتِ فستجديني على دربكِ أقتفي أثركِ ، وأقف على قارعة الطريق في انتظاركِ ، فإن عدتِ ستجديني كما أنا متيم بكِ
وإن استرسلت في الرحيل فما يزيدني ذلك إلا هياماً وأشواقاً ولوعة .

الثلاثاء، أبريل 03، 2012

نسيانكِ ضرب من المستحيل .






تنبعثين في لحظات عمري كل حين ، ويحشر خيالك على عرصات حياتي كل لحظة من لحظاتي ، وتقوم قيامة البعد والنوى لتعذيب القلب وتضني الصب ، وتلظى الأحاسيس والشعور بلهيب الذكريات وآلام أصداء الماضي .

تنفخ اللحظات العابرة والعذابات السافرة في صُور الذكريات فتتطاير أوراق الحنين والجوى ، وتخيم ظلمات الجفا ، فتأخذ بناصية الهواجس وتبعثها في أعماقي وتزحها زجاً ، وتنزع شوى النفس فتتلظى نارها في أعماقي ، حتى أجدني أسبح في لجج حبك الذي لم يعد سوى جراحاً من الذكرى تحرق العمر وتهد القوى ، وتحط بثقلها على كاهلي حتى يكاد ينوء بحمله ، ولكنني أعالجها بتجرع الغصص والتصبر على آلامها والتقلب على جمر نيرانها ، والتصبر بذكراك والتسلي بطيفك وعبور خيالك في لحظة إغفاءة يسيرة فأعيش في نارها وقد أصبحت برداً وسلاماً بمشاعر حبك القديم المتجدد بتجدد الأيام والسنون .

كلما مر بي العمر وتقدمت بي السن وتتالت الأيام أقول إنني سأنساك ، وأدفن ذكرياتي وذكراك ، وأحرق أوراقكِ وأزيل طيفكِ وأطرد خيالكِ من مخيلتي ، وأمزق دستور حبكِ وأمحو قوانينكِ ، وأعتزل دولتكِ وأعلن الخروج عن حكمكِ ، فإذا بي أزداد بكِ شغفاً وأهيم بكِ كلفاً .

وكل شيء في هذا الكون يذكرني بكِ ويبعث طيفك أمامي من جديد ، وينشر حروفكِ ويبعثر كلماتكِ في الهواجس والمخيلة ، حتى تسيطر صورتكِ على لوحاتي وتطغا على ريشتي فأرسمكِ وإن كنت أتخيل شيئاً آخر .

الأطلال البالية لها معي حديث ولي فيها وقفات خالدة بخلودي وباقية ببقاء عمري ، تذكرني بكِ كلما أشرفت عليها ، بل أصبحت جزءاً من حياتي وعنواناً لذكرياتي .
وتغاريد الطيور وشقشقة العصافير تذكرني بكِ ، وفي هبوب نسمة الوادي واهتزاز الأشجار والأغصان ، وفي صوت الشلال تذكرني موسيقاه وكأنها تردد الألحان بصوتك ، وفي تلبد الغيوم في السماء ذكرى لكِ في فؤادي باقية أبد الدهر ، وفي احتجاب الشمس وتغطيها في الغمام كتغطية وجه العروس لي أنة وحنين ، وجراح تتجدد وتلتهب من جديد .

وفي ارتداء الورد قلانس الزهر وارتوائه بماء الطل ، لي آلام أشكو منها وجراح أتقلب عليها ، وفي إشراقة الشمس الجميلة عندما تبث ضياءها وترسل خيوطها كأنها أطواد من الذهب تغرسها في الأرض الباردة فتثير الضباب وتنثره في الأرجاء ، يتخلل الأشجار ويتوهج على الأغصان الندية ، لي تنهدات ، وتأملات ، وتجديف في أعماق ذكراك ، وبحار اشتياقكِ .

وفي قطع السحاب المنتثرة في السماء عند الإشراق والأصيل كنمارق من الذهب مصفوفة على زرقة السماء تسبح الخالق العظيم ، لي شخوص وتقلب في سموات ذكرياتكِ وأراضين بعادك وأعماق هجرك وصدكِ .

أتذكركِ فأغدو كالمذهول حتى أغيب في ظلمات الأحلام ، وجمر الذكريات وجحيمها ، فأيقنت أن نسيانك ضرب من المستحيل ، و ( قد ثبتت في القلب منكِ مودة كما ثبتت في الراحتين الأصابع ) فأعود عن التفكير في نسيانك لأعيش في متاهات الذكريات ، وأتقلب على نيران الجفاء ، وأعالج غصص البعد ، وأعيش على آمال ( وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا ) .


شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More